الأربعاء 15 يناير 2025 12:48 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور بهاء درويش يكتب : هل فى مصر تعليم دينى ؟

الدكتور بهاء درويش
الدكتور بهاء درويش

إلى من يتحدثون عما يوجد في مصر وينعتونه ب (التعليم الديني) ويقصدون به التعليم في الأزهر أقول أنتم تعرضون لأمر لا وجود له في مصر من حيث وصفكم له، تصفونه وصفاً ليس دقيقاً ثم تناقشونه انطلاقاً من تصوركم له وتفترضون نتائجه غير المدروسة بشكل علمي وكأنه أمر واقع.

بداية لا وجود في مصر لما يسمى (التعليم الديني) إذا كان المقصود به التعليم في الأزهر. التعليم في الأزهر – وأنا هنا أتحدث عن المدارس ما قبل التعليم الجامعي- تعليم مدني يختلف عن بقية المدارس الحكومية في أنه يعطي الطلاب جرعة إضافية من القرأن والأحاديث والفقه، بالإضافة إلى تعليمهم اللغات والتاريخ والجغرافيا والكيمياء والأحياء والفيزياء وسائر المواد التي يتعلمها طالب المدارس الحكومية.

على هذا النحو فالتعليم الأزهري لا يصح تسميته تعليماً دينياً لأنه تعليم مدني يختلف عن مدارس التربية والتعليم فقط بإعطاء جرعة دينية إضافية.

الأمر الآخر: بمنطق العصر الحديث، منطق الحريات والتي يندرج تحتها حرية اختيار ما يحب ولي الأمر أن يعلمه لأبنائه من حيث أنهم لم يصلوا بعد لتقرير ما يشاؤون، أقول أنه كما أن من حق الطالب أو ولي أمره اختيار التعليم البريطاني أوالأمريكاني أوإلحاق إبنه بمدارس دولية لا تعلم حرفاً واحداً في التربية الدينية، وإن كانت تعطي قشورا في اللغة العربية، - وهذه جميعها لها وجود في مصر- فبالمثل وبمنطق المساواة والحريات، من حق ولي الأمر الذي يرغب في إعطاء إبنه جرعة دينية إضافية أن نسمح له بذلك، بل وأن نتيحها له.

سيرد البعض بالقول بأن هناك إختلافاً لم أنتبه إليه، وهو أن مقارنتي غير سليمة، لأن التعليم الأحنبي لا ينشر دعاوى الإرهاب في الوقت الذي ينشرها التعليم الديني.

لهؤلاء أقول: للمرة الثانية أنتم تسيؤون عرض الأمور. ليس صحيحاً أن التعليم الأزهري يولد الإرهاب للأسباب التالية: عاشت مصر – الجيل الذي سبقني مباشرة، جيل والدي ومن قبله- عصر الكُتّاب والذي يقابل الآن مرحلة الروضة وما قبلها KG- الذي كان الطفل فيه يحفظ القرآن كله قبل الالتحاق بالمدرسة الإبتدائية، ولم نسمع عن أحد منهم أصبح إرهابياً. بل- على العكس- ساعدهم هذا على تذوق اللغة العربية منذ الصغر وفهم مواطن الجمال فيها، فكان منهم الشعراء والأدباء ورجال القضاء الذين كتبوا أروع أحكام قضاء وأكثرها بلاغة، هذا بالإضافة إلى أن أغلبية من تخرجوا من الكتاب أصبحوا متذوقين للأدب والشعر.

الأمر الثاني: مناهج الأزهر موجودة منذ مثات السنين قبل ظهور داعش أو القاعدة أو غيرها، وبالتالي فالربط بين مناهج الأزهر والتطرف ربط غير دقيق.

الأمر الثالث أننا في عصر السموات المفتوحة الذي نحياه الآن، حيث لا إخفاء لمصادر المعرفة أياً كانت وصعوبة حجبها عن الناس، أضحى الناس متلقين لكل أشكال المعرفة وكل أنواع الخطاب، بحيث أصبح من الصعب معرفة مصدر التأثير المعرفي على أي شخص، وأصبح من الصعب تطبيق مقولة أن المرء ابن بيئته، إذا كان المقصود بها (التأثير المعرفي للبيئة على الشخص). وبالتالي فالقول أن التعليم النظامي الآن له التأثير الأكبر في اعتقادات وسلوك المتعلم أمر مشكوك فيه، فلا يمكن على الإطلاق إنكار التأثير المعرفي لوسائل التواصل الاجتماعي أو الصداقات التي تتم عبر العالم الافتراضي على سلوك وقناعات الطلاب.

النقطة الأخيرة والتي أراها أكثر النقاط أهمية: أنه على افتراض أنه تم إلغاء المقررات الدينية من الأزهر، وأصبح التعليم في الأزهر لا يختلف عن التعليم في مدارس التربية والتعليم، فإنه مع عدم وجود محتوى كافي من التعلم الديني في مدارس التربية والتعليم، واختفائه من الأزهر، سيصبح لديك أجيال ليس لديها معرفة كافية بشؤون دينها وهو ما سينعكس على كل شؤون حياتها بشكل سلبي.
الأفضل أن نفكر بشكل أكثر إيجابية وبرؤية أكثر اتساعاً- ويتم عمل دراسات علمية رصينة لتأثير كل هذه المستجدات- التعليم الأزهري والتعليم الأجنبي والتعلم من خلال قنوات التواصل الاجتماعي والمواقع الالكترونية- على سلوك أبنائنا وإتخاذ قرارات مدروسة على أسس علمية لمستقبل التعليم في مصر حتى نكون قد أدينا أحد واجباتنا شديدة الأهمية تجاه أبنائنا وتجاه الوطن.