الدكتورة رويدا جابر تكتب : دراما رمضان بين الماضي الجميل والحاضر المشوه
الجارديان المصريةتابعت خلال شهر رمضان الماضي معظم الأعمال الدرامية التي تم تقديمها، على أمل أن أجد العمل الاجتماعي الذي يلتف حوله جميع أفراد الأسرة كما كان الحال في الماضي . فلم يجذب انتباهي سوى مسلسلي الاختيار والقاهرة كابول. أما باقي الأعمال فللأسف كانت النتيجة مخيبة للآمال فما بين دراما العنف والإجرام والتفكك الأسري واستباحة العلاقات المحرمة جاءت الأعمال الدرامية المقدمة في رمضان هذا العام.
كنت في طفولتي أنتظر شهر رمضان وأنتظر معه أعمالا درامية جادة وهادفة تعالج قضايا إنسانية هامة بل وقضايا اجتماعية تشغل الرأي العام أو تقدم نموذجا أو يستشرف المستقبل، فمن ينسى روائع أسامة أنور عكاشة واسماعيل عبد الحافظ. من ينسي مسلسل ليالي الحلمية بأجزائه. من ينسي مسلسل الوسية ،وخالتي صفية والدير وغوايش وغيرها من الأعمال الدرامية التي شكلت وجدان جيل بأكمله من ينسي مسلسل أرابيسك والعائلة والناس هذه الأعمال التي عالجت قضايا اجتماعية هامة وحذرت من تفشي ظاهرة الإسلام السياسي وما يتبعه من إرهاب. كنا نجتمع جميعا نحن أفراد العائلة الواحدة حول التلفاز في انتظار عرض هذه الأعمال الجيدة والتي تنوعت بين الاجتماعية والكوميدية والتاريخية، فبرغم ضعف الإنتاج وقتها ولكن الأعمال امتازت بالحبكة الجيدة والشخصيات المحورية الجادة التي تصحبك بهدوء وشغف إلى عالمها فتغوص وأنت المشاهد في عالم هذه الشخصيات. امتازت أيضا بتناغم الصورة والإضاءة مع موسيقى الحوار الرائع. تعددت مستويات اللغة وتنوعت حسب تنوع الشخصيات واختلاف أعمارهم وذائقتهم وثقافتهم. أما ما يقدم الآن فهو اغتيال صريح وتشويه متعمد لقيم الدراما والفن عموما.
بات العنف وصورة الدم هما المسيطرين على الأعمال الدرامية التي يتم تقديمها هذه الأيام . قديما كنا نقول الفن مرآة المجتمع. إذا قمنا بتطبيق هذه المقولة على ما يتم تقديمه هذه الأيام من أعمال درامية فسنجد أنفسنا نواجه كارثة بكل المقاييس. هل أصبح مجتمعنا بهذا العنف وبهذه الدموية التي تقدمها الأعمال الدرامية. هل تشوهت الأخلاق إلى هذا الحد الذي يجعل الابن أو الابنة يصيح في وجه أمه ويتحداها ويكمل حياته أوتكمل حياتها بشكل طبيعي. هل أصبح مجتمعنا يتقبل العلاقات المحرمة بعيدا عن إطار الزواج. كارثة بكل المقاييس.
هل تعكس الأعمال الدرامية الحالية صورة المجتمع أم أنها تتعمد إفساد المجتمع بإلقاء الضوء على نماذج مشوهة وتقديمها في صورة السائد. لا بد من وقف هذه المهزلة فبالرغم من ضخامة الإنتاج إلا أن الأعمال الدرامية التي يتم تقديمها أعمالا هشة ركيكة فلا يجد المشاهد حبكة جيدة ولا شخصية محورية ولا توافق للصورة مع المضمون وغيره من العناصر الأساسية التي عليها يقوم العمل الدرامي والنص المكتوب.
من النقاط الهامة والتي ينبغي الإشارة إليها هو التشويه المعتمد لصورة صعيد مصر ورجاله. كانت الأعمال الدرامية في سابق عهدها تقدم نموذجا صادقا لصعيد مصر وأهله. لا زلت أذكر جيدا حين كان يتم عرض مسلسل ذئاب الجبل كيف كان أبي الذي قضى عقدا من الزمن في صعيد مصر يسترجع ذكرياته ويستشهد بشخصيات هذا العمل علي قوة رجال الصعيد واعتزازهم بعاداتهم وتقاليدهم. أما الآن فالأعمال التي تقدم صورة صعيد مصر تبرزه وكأنه غابة قانونها البقاء للأقوى وتقدم أهله وكأنهم أناس غير الناس بأصوات غليظة وبشرة داكنة وثياب غير مهندمة. تقدمهم وكأنهم أناس لا يعرفون شيئا عن المدنية الحديثة وكأنهم عادوا مرة أخرى إلى عصور البربرية حيث الاستخفاف بأرواح البشر ومشاعرهم وكرامتهم. عن أي جنوب تتحدث الأعمال الدرامية هذه الأيام.
تابعت أيضا الأعمال الكوميدية التي تم تقديمها ووجدت الحال لا يختلف كثيرا عن النهج والطريق الذي رسمته الأعمال الدرامية لنفسها هذه الأيام. فبعد ان كانت الأعمال الكوميدية تقدم رسالة هادفة بطريقة وأسلوبين راقيين ّ، أصبحت الأعمال الدرامية الكوميدية مبتذلة. بعد ان كان العمل الدرامي قائم على كوميديا الموقف أصبحت الكوميديا قائمة على الابتذال الرخيص والإيحاءات الجنسية التي يخجل الأب من تفسيرها لطفله وتخجل الأم من تفسيرها لطفلتها. لا أعلم كيف تبدل حال الكوميديا. من ينسى مسلسل يوميات ونيس، هذا المسلسل الذي دافع عن قيم الأسرة بشكل متحضر ومهذب. من ينسى مسلسل ساكن قصادي هذا العمل خفيف الظل والذى ناقش قضايا يومية بشكل ساخر ولكنه يحترم الذوق العام.
ما شاهدت من أعمال درامية في رمضان يؤكد أننا أمام كارثة حقيقية على كافة المستويات ولابد من العمل بحسم لوقف هذا الإفساد المتعمد للمجتمع وتشويه قيم الأسرة. لا بد من رقابة الدولة وإشرافها على الإنتاج. لابد من تقديم أعمالا جادة تغرس القيم الصحيحة في صفوف النشء. لا بد من العودة إلى الدراما التاريخية والتي كانت تقدم نماذجا يحتذى بها سواء في التاريخ الوطني أو الديني بدلا من التمسح في التاريخ لتقديم نماذج البلطجة والإجرام.