الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يحاور الفنانة ماجدة الصباغ، في أسباب تراجع التذوق الجمالي وكيفية مجابهة تلك المعضلة ؟
الجارديان المصريةالتذوق الجمالي في أبسط معانيه هو قوة يدرك بها الجمال بمفهومه الواسع جمال الصورة، جمال الأسلوب، جمال المعني، جمال البلاغة، جمال الموسيقي، جمال الأخلاق الحميدة وجمال النفس عندما تصفو وتسمو فوق الغرائز .
وهي ملكة مثل كل ملكات الإبداع داخل النفس البشرية، اللافت للنظر أن هناك تراجعا جما في مستوي الجمال علي كافة الأصعدة ، بل لا أكون مبالغا إذا قلت إن القبح حل محل الجمال بل وصار له من يقومون علي ترسيخ دعائمه في المجتمع .
والسطور التالية ترصد هذه المعضلة من خلال حوار ,(الجارديان المصرية) مع الشاعرة والفنانة التشكيلية .ماجدة سعد الصباغ ، وفيما يلي مفردات الحوار .
صدقت فيما تفضلت به من اختفاء اللمسة الجمالية في كل ما يحيط بنا وانزوي الإحساس بالجمال من لغتنا وأفكارنا وتعاملاتنا واغانينا ، وانا أري أن مرد هذا يرجع إلي شهوتنا لتقليد التصرفات الحديثة والتي جعلت كل مافي الحياة مفرغ من الغاية التي تبتغي من وراء وجوده ، فضلا عن السرعة التي تجري بها الأحداث ، والتي حرمتنا من لذة التدبر والتأمل الملهمين إلي مواطن الجمال .
والجمال لا يدرك بالنظرة العابرة ، لأنه خليط من مفردات متداخلة ، وأسمح لي أن أقول لكم : أن هناك أسباباً كثيرة لذلك ، يأتي علي رأسها ثورات الربيع العربي الذي مازلنا نعيش آلامه فطفق علي السطح أسوأ مافي دواخلنا وليت الأمر وقف عند ذلك ، بل إن ما يقوم علي كسر منظومة الأخلاق والجمال تدثروا بالمحميات التي أفرزتها تلك الثورات .
إننا ياسيدي نحتاج من كل المؤسسات والجمعيات ودور التعليم والتثقيف تنمية النواحي الجمالية والأخلاقية في نفوس أبناءنا حتي تسمو مجتمعاتنا، ولن يكون ذلك إلا إذا رفضت الأسرة أن يضفر أبناءها لشعورهم بهذا الشكل المزري ، ورفضت الجامعات دخول طلابها بملابس غير لائقة ، ورفضت السينما لغة الإرهاب والصياعة والبلطجة ، وأفلام الإسفاف أن تكون مادة لمخرجاتها الفنية ، وأن تبتعد القنوات التليفزيونية تقديم الإسفاف الهابط بدلا من البرامج المفيدة.
- نعم سيدى سؤال جيد ولفتة مهمة حقا ، أن أولادنا تأثروا كثيرا بالشخصيات التي قابلوها في المسلسلات والأفلام والمسرحيات التي شاهدوها .فاأغلبهم اما مقلدا للزعيم الاباصيري في مدرسة المشاغبين ، أو إبن رمضان في جل أعماله وترهلاته .
فما من شك ان الإنسان ياسيدي يتأثر بما يحيط به أو يتعرض له أو يتصل بحياته منذ الطفولة ، لذلك اختفت الآن مسألة تقبيل يد الوالد والوالدة ، وأيضا لغة الحديث معهم ، فبعد أن كانت كيف أصبحت ياوالدي ، ومع رعاية الله ياامي حلت محلها ، هاي ويالا باي !؟
نعم للأسرة دور فيما وصلنا إليه ، ولكن بمشاركة من مؤسسات كثيرة أهمها علي الإطلاق دور الإعلام ووسائل التواصل التي جزت الفضائل جزا ، فليس خفي علي أحد أن أبناءنا مرتبطون ارتباطا كبيرا بكل ما يشاهدونه علي الشاشات من ملابس وسلوكيات ، وكل ذلك يؤثر في أفعالهم بشكل مباشر وبقوة.
معك كل الحق في أن البناء الاجتماعي أصيب بانهيار منظومة الأخلاق والجمال ، تجلت آثارها علي الحياة العامة وإصابتها في مقتلها ، ولا سبيل لمجابهتها إلا عن طريق إستراتيجية تعليمية وتربوية وتقاقية وإعلامية ودعوية تعيد للحياة رونقها الماضي ، استراتيجية تحفظ الموروث القيمي بمعطيات وأدوات ولغة العصر . تخيل لو أننا نعيش فترة توقير واحترام الكبير والمعلم ونحترم التخصصات والرموز وأيضا نطوع هذا التقدم الهائل لخدمة تلك السلوكيات ،
كيف سيكون شكل الحياة عندئذ ؟
أكيد ستكون الحياة مبهجة تعج بمظاهر الجمال في كل جنباتها .
صدقت اخي الكريم ، فعلا إن مسألة الإهتمام بالذوق ورعايته ليست من باب الترف بل هي اللحمة التي تشد أواصر المجتمع وتعضد العلاقة بين أفراده وتقود سفينته الي بر الأمان.
لذا وجب علي مؤسساتنا جعله في صلب مشروعها المجتمعي حتي يكون منسجما مع منظومة قيمها الأخلاقية وان يتم التفطن المسبق إلي ما يمكن أن تسفر عنه كل عملية استنبات هجينة لقيم دخيلة قد تمس أسس المجتمع بأكمله .
- نعم يمكن تنمية الذوق وتهذيبه بالتوجيه الأخلاقي والتربية الصحيحة ، خصوصاً وأن الذوق هو الاستعداد الفطري المكتسب ، الذي نقدر به علي تقدير الجمال والاستمتاع به ومحاكاته بقدر ما نستطيع في أعمالنا وأقوالنا وأفكارنا .
- نعم هناك ارتباط وثيق بين الثقافة والسلوك ، فالثقافة هي السلوك الاجتماعي للفرد في مجتمعه ، وعندما تكون الثقافة إيجابية ، فإنها تدفع الإنسان إلي الأمام ، وتحرك طاقته نحو الرقي الحضاري ، أما إذا كانت سلبية ، فإنها تكبله بجبال العجز والتخلف والركود .
فعلاقة ذوق الجمال بالثقافة علاقة متلازمة ، إذ لا يمكن أن تصور ثقافة حضارية بدون عنصر الجمال ، ولذلك حينما يفقد الإنسان - في أي بيئة كان - ذوق الجمال يصبح إنسانا ضحل التفكير ، منحرف السلوك ، تحاصره المشكلات الحياتية والبيئية من كل جانب .