الأربعاء 15 يناير 2025 04:32 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

دكتور علاء الحمزاوى يكتب : {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} 8

دكتور علاء الحمزاوى
دكتور علاء الحمزاوى


ــ جاء ختام سورة العلق يحمل تهديدا مصحوبا بتحدٍّ وتعجيز لأبي جهل وأمثاله من الطغاة، فقال تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}، النادي هو المكان الذي ينتدي فيه الناس أي يجتمعون للنقاش والتشاور، وهو مشتق من النَدْو وهو الاجتماع نهاراً، أما مكان الاجتماع ليلاً فيُسمَّى السامر، ولا يُسمَّى المكان ناديا إلا إذا كان معدًّا للاجتماع فيه، مثل نادي قوم لوط الوارد في قوله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ ٱلْمُنْكَرَ} أي تدعون في مجلسكم إلى الفاحشة، وكذلك نادي مكة "دار الندوة" الذي كانوا يجتمعون فيه لمناقشة الأمور المهمة، وأشهر اجتماع فيه اجتماعهم للتخلص من رسول الله الوارد في قوله تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ}.
ــ وروي أن رسول الله لمَّا هـــدَّد أبا جهل بقوله تعالى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}، قال أبوجهل: يا محمد بمن تهددني؟ وإني لأكثر هذا الوادي ناديا أي عزوة وقوة ونُصرة، فنزل قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}، واستعمال {ناديه} مجاز مرسل علاقته المحلية، حيث أطلق المكان وأراد عشيرته، فالمراد: فليدعُ ذلك الطاغية عشيرته لنصرته ضد النبي إن قَدِروا على ذلك، وأبوجهل مجرد نموذج للطغاة الذين يحاربون الله والمؤمنين، فليفعل أولئك الطغاة ما يستطيعون، فنحن سندعو الزبانية، وهم الملائكة الغلاظ الموكَّلون بالعقاب، والزبانية جمع زابن وزَبَنيّ، وهي من الزَّبْن بمعنى الدفع الشديد، وسُمِّي ملائكة النار زبانية؛ لأنهم يزبِنون الطغاة أي يدفعون شـرهم عن المؤمنين أو يدفعونهم إلى جهنم، والمراد هنا أننا سنأتي بملائكة شداد يدفعون شـر أبي جهل وأعوانه عن النبي، وقيل: الآية إخبار بأن أباجهل سيُسحَب في الدنيا على وجهه، وحدث ذلك يوم بدر، وقيل: هي إخبار بأن الزبانية يجرونه في الآخرة إلى النار، وفي الخطاب طمأنة للنبي بأن ذلك الطاغية إذا أصــرَّ على إيذائه سلَّط الله عليه ملائكة غلاظا شدادا يحمون النبي منه؛ لأن الله مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والله مولى لكل مظلوم.
ــ {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب}، ردع آخر لذلك الكافر وتأكيد لعجْزه عن إيذاء النبي، وطمأنة للنبي بأن ذلك الكافر وعشيرته أحقر من أن يمنعوه من العبادة، فالمعنى: امضِ أيها الرسول الكريم في طريقك، ولا تخشَ ذلك الشقي، واستمر في صلاتك عند الكعبة، والتعبير عن الصلاة بالسجود مجاز مرسل علاقته الجزئية، وفيه دلالة على أهمية السجود فهو مظهر الخضوع والتواضع لله، واستُنبِط من الآية أن السجود أهم ركن في الصلاة، وخُـصَّ السجود بالذكر؛ لأن أباجهل توَّعد النبي بإهانته وهو ساجد، فأمره الله أن يصلي ويطيل السجود في تحـدٍّ صارخ لذلك الطاغية؛ تعظيما لمكانة النبي واحتقارا لشأن أبي جهل بين قومه، ثم بيَّن ربنا أن في السجود قربًا من الله، فقال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب} أي ابتغ بسجودك قربك من ربك، لذا جاء في الحديث "أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وهو ساجِدٌ، فأكثروا الدعاءَ"، وفرَّق بعض المفسرين بين الفعلين فقالوا: اسْجُدْ أنْتَ يا مُحَمَّدُ مُصَلِّيًا، واقْتَرِبْ أنْتَ يا أبا جَهْلٍ مِنَ النّارِ بمعصيتك للنبي.
ــ والأمر بالسجود هنا موجَّه للنبي ثم لكل مؤمن، وهو أول أمر بالسجود ضمن خمسة عشر موضعا في القرآن آخرها في سورة الحج، وهو موجه للأمة مباشرة، حيث قال الله: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم}، ويُسنُّ للمسلم أن يسجد إذا قرأ آية سجدة، ويسنُّ للمستمع أن يسجد إذا سجد القارئ، فإن لم يسجد القارئ فلا يسجد المستمع، ولا يستوجب السجود الوضوء، ويُستحَب التكبير له في صلاة الجماعة، ويقال في السجود: "اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، تبارك الله أحسن الخالقين".