د.كمال يونس يكتب : وأخيرا دفن بسلام
الجارديان المصريةمنذ عقود تألق ،زاعت شهرته في انجلترا كجراح كبير ،ذكرته المراجع الطبية بأنه رائد من رواد تخصصه ،لملم أوراقه عاد من لندن لمصر ليفيد أبناء بلده بعلمه وخبرته ، عين أستاذا بأحد الجامعات الإقليمية ،مستأجرا شقة ليقيم بها في عاصمة تلك المحافظة ، وعيادة في القاهرة في عمارة تملكها أحد شركات التأمين ، كان ماهرا زاهدا متجردا لم يعص الله بنعمه ،أنعم الله عليه بالتوفيق في مهنته ،ليحمد الله فعليا وعمليا بالتيسير على الناس ،أمانته في مهنته كانت مضرب الأمثال بين زملائه ،طلابه ،مساعديه ،مرضاه.
أثناء مروره على المرضى وجد فجوة كبيرة وتناقضا بين التشخيص المكتوب في ملف المريض،وبين الجرح مكان العملية ، معظمها كان تشخيص زائدة دودية ،لكن الجرح جرح عملية كلى ، تحرى عن تلك الحالات وعلم أن هناك عصابة من الأطباء والتمريض والعمال،فريق كامل هو من يحضر مشاركا في تلك العمليات ،بلغ الجهات المختصة ،ليفاجأ باحتراق عيادته في القاهرة ،وشقته في تلك المحافظة محل عمله في آن واحد ،قيدت تلك الحرائق على أنها حريق عمدي ،فطرد من الشقتين ، واتهمته أحد ممرضات التشكيل العصابي لسرقة الأعضاء بالتحرش ،أحيل للتأديب بنقابة الأطباء ،عاقبته بسحب ترخيصها ، أحيل للمحاكمة ،سحب جواز سفره ،سجل في قوائم الممنوعين من السفر ، شلت حركته تماما،لم يستطع العودة لانجلترا،ولم يجد مكانا يقيم فيه ،عطف عليه أحد الأطباء الكبار الذين يعلمون فضله ،مدبرا عملا له بمستشفاه الخاص بمنتهى السرية ،ليكون له دخل يكفيه بالكاد ،لم يجد سكنا يقيم فيه ،ولم يعثر على ابنه الوحيد في مصر ،فلقد هاجر وطليقته أم ابنه إلى بلد مجهول،عطف عليه محاميه ، استطاع أن يجعله يقيم بمسجد نقابة المحامين ، تداعت ،تكاثرت عليه المصائب ،داهمته الأمراض، طاردته العصابة في كل مكان ،لاحقته بالقضايا صنوفا شتى ،لم يتحمل ،وجدوه متوفيا في سلام بمسجد نقابة المحامين ،نقلوه لبيت أحد المحامين ،استخرجوا تصريحا بدفنه بسلام ،أما زعيم التشكيل العصابي فلقد ارتقى في كبرى المناصب ،ورحلا كلاهما وعند الله العدل تلتقي الخصوم.