الأربعاء 15 يناير 2025 10:34 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور عمرو خان يكتب : ”ضبط النفس” : أكذوبة الدبلوماسية في عالم متوحش

الدكتور عمرو خان
الدكتور عمرو خان

في عالم مضطرب حيث تتنازع القوى الكبرى على النفوذ والموارد، يظهر مصطلح "ضبط النفس" كإحدى الأدوات الدبلوماسية التي تُستخدم بكثرة. لكن هل يحمل هذا المصطلح في طياته قيمة حقيقية، أم أنه مجرد واجهة تخفي خلفها عجز القوى الدولية عن اتخاذ قرارات حاسمة؟


المعنى السطحي لـ"ضبط النفس":
يوحي بالتروي والعقلانية في مواجهة الأزمات. لكنه في الواقع يعكس تردداً وعجزاً عن اتخاذ موقف حازم. في كثير من الأحيان، يُستخدم هذا المصطلح لتبرير عدم التدخل أو عدم اتخاذ قرارات قد تكون حاسمة في معالجة الأزمات.
ولكن المشهد العالمي الحالي يعكس ما هو غير ذلك، وكأن مصطلح طلب المزيد من ضبط النفس ما هو إشارة ضوء أخضر لتدمير العالم وإغفال القوانين وكسر القواعد وغياب الإنسانية.

وهنا أريد أن أعرب عن استيائي وأستياء ملايين البشر العاديين مثلي من هذه الكلمة سيئة السمعة "ضبط النفس"، والتي في سياق النظرية والتطبيق
في الأزمات الدولية أصبحت بلا قيمة.
غالباً ما يُطالب الأطراف المتنازعة بضبط النفس. ولكن على أرض الواقع، نرى أن هذه النداءات لا تؤدي إلا إلى استمرار الصراعات.
والمثال الأبرز هو النزاعات في الشرق الأوسط، حيث يُطالب الأطراف بضبط النفس بينما تتصاعد حدة العنف.
الدبلوماسية الرعونية
أن ضبط النفس أصبح جزءاً من النبرة الدبلوماسية الرعونية التي تثمن وتقدّر ولكنها في الحقيقة لا تقدم حلاً حقيقياً. هي مجرد كلمات تُقال لإظهار أن هناك تحركات دبلوماسية بينما يستمر العالم في التآكل والصراعات تتفاقم.
أن استمرار عمليات القتل القوية بدرجة لم يعد هناك قدرها على توقع مسار تصاعدها، جعلنا لم نعد نتذكر من أين⁉️ ومتى انطلقت شرارتها الأولى⁉️ أن الصراعات والحروب التي يعيشها العالم أجبرت الشعوب تعيش حالة من الذعر والخوف والقلق على غدًا؛ ربما لم تشرق شمس فجر ذات يوم.

ضبط النفس: بين الفعل والقول
التاريخ مليء بالأمثلة حيث كانت الدعوات لضبط النفس مجرد غطاء لعدم الفعل. في الحروب العالمية، وفي النزاعات الإقليمية، نرى أن الدعوات لضبط النفس لم تؤدي إلى سلام حقيقي بل أدت إلى تأجيل المواجهات الحتمية. وربما كانت شرارة انطلاق عمليات القتال الدموية في كثير من الحروب الإقليمية.

والتاريخ يذكر الكثير من الأمثلة عن الدبلوماسية الرعونية المغلقة بأكذوبة مصطلح ضبط النفس.
أمثلة تاريخية:

الحرب العالمية الثانية:
قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، حاولت القوى الغربية اتباع سياسة ضبط النفس مع ألمانيا النازية من خلال اتفاقية ميونيخ عام 1938. هذه الاتفاقية سمحت لألمانيا بضم منطقة السوديت من تشيكوسلوفاكيا، على أمل تجنب حرب واسعة النطاق. لكن هذه السياسة لم تمنع هتلر من الاستمرار في توسيع نفوذه، مما أدى في النهاية إلى اندلاع الحرب.

النزاع العربي-الإسرائيلي:
في العديد من الحروب والنزاعات بين الدول العربية وإسرائيل، كانت هناك دعوات متكررة لضبط النفس من قبل المجتمع الدولي. لكن هذه الدعوات لم تؤدِ إلى حل الصراع بل أدت إلى تصاعد العنف وتجدد الحروب.

حرب البوسنة:
خلال حرب البوسنة في التسعينيات، دعا المجتمع الدولي الأطراف المتنازعة إلى ضبط النفس. لكن هذه الدعوات لم تمنع حدوث مذابح جماعية وجرائم حرب، كما حدث في مذبحة سربرنيتسا عام 1995.

الأزمة السورية:
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، كانت هناك دعوات متكررة لضبط النفس من جميع الأطراف. لكن هذه الدعوات لم تمنع تصاعد العنف ووقوع ملايين الضحايا واللاجئين.
في ظل عالم يأكل فيه القوي الضعيف، يصبح الحديث عن ضبط النفس مجرد وهم. يجب على القوى الدولية أن تدرك أن الحلول الحقيقية تأتي من اتخاذ مواقف حاسمة وشجاعة، وليس من خلال ترديد شعارات جوفاء. ضبط النفس كسياسة دبلوماسية هو أكذوبة لا تغني ولا تسمن من جوع في عالم يحتاج إلى الفعل، لا إلى الكلام.

الدكتور عمرو خان ”ضبط النفس” أكذوبة الدبلوماسية عالم متوحش الجارديان المصرية