دكتور بهاء درويش يكتب : في الإخلاص يكمن سر النجاح
الجارديان المصريةاستكمالًا لمقالات سابقة ودعوى نتبناها مفادها أن الأخلاق هي الموجه في الحياة الدنيا وهي مناط النجاح والتقدم للفرد والمجتمع نقول:
على الفيلسوف إذا ما أصدر حكمًا أن يقدم تبريرًا له وتبريرات الفلسفة تبريرات عقلية لا تستند إلى شواهد تجريبية لأن طبيعة موضوعاتها لا تحتمل البرهان بالشواهد والأدلة التجريبية وإن كان من الممكن الاستعانة بها دون أن تمثل مجمل الدليل.
وبالتالي إذا كنا قد قلنا في مقالات سابقة إن الأخلاق هي الموجه للنجاح في الحياة الدنيا فعلينا أن نقدم البرهان العقلي على ذلك. يكمن البرهان في أن ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات ليس العقل كما يُعتقد، فلقد أثبتت التجارب أن بعض الحيوانات لديها قدر من الفهم. ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات هو أن لديه كرامة. هذه الكرامة هي مبرر عدم جواز تجاوز الفرد ومنعه الحق في الاختيار. وهي الأساس الذي تبنى عليه كل المباديء الأخلاقية الأخرى. فانت لا يجب أن تضر بغيرك لأن لديه كرامة ولا يجب أن تقيد حريته لأن لديه كرامة ولا يجب أن تحرمه حقوقه الطبيعية لأن لديه كرامة. فإذا كانت كل المباديء تبررها كرامة الإنسان، فما الذي يبرر كرامة الإنسان؟ الذي يبررها أنه الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على الاختيار بوعي، وبما أن هذه هي طبيعته فلا يصح أن تمنعه إياها.
كان من الممكن أن أكتفي بهذا القدر لولا اتجاه جديد في الفلسفة يرى أن على الفلسفة أن تقدم بعض التطبيقات على ما تقول حتى لا تتهم بأنها تحيا في عالم من المقولات النظرية ولكي تكون مقنعة للقراء بأنها تطبيقية. لذا سأقدم بعض الأمثلة لبيان ما قلت ولبيان تطبيقية مقولات الفلسفة وهو ما أتبناه وأرفع شعاره.
قلنا أن كل المباديء تتأسس على أن للإنسان كرامة. نعم: كيف يكون لديك كرامة وكيف تحافظ على كرامة الآخرين إذا كنت غشاشًا؟ إذا حصلت على ما قد تحصل عليه بالغش؟ وكيف تكون صاحب كرامة إذا ساعدت غشاشًا على غشه ثم تدعي خلاف ذلك؟ هل تقبل أن يُفعل ذلك معك؟ هل تقبل أن يخدعك غيرك؟ هل تراه إنسانًا ذا كرامة؟ هل تشعر أنه احترم كرامتك بالغش؟ هل تقبل أن يمنعك أحد الحق في الاختيار في أي موقف يخصك؟ أكتفي بذلك وأترك لخيالك الذي أثق فيه أن يتخيل كل المواقف التي يمكنك أن تتعرض فيها للغش من قبل غيرك، أو لتقييد الحق في تقرير أمر يخصك في كل الميادين،
وقتها يمكنك أن تقتنع بخلاصة ما قلناه في مقالات سابقة من أنه يمكن اختزال كل القيم الأخلاقية الموجهة للفرد والمجتمع في قيمة واحدة وهي" الإخلاص الذي يحميه الحذر".
كن مخلصًا ولكن احذر الآخر. لماذا؟ حتى لا يُعوّق مسارك أحد.