الخميس 26 ديسمبر 2024 03:16 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : التواضع بين التقتير والإسراف !!

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم
الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

هناك حكمة جميلة تقول : " نقترِبُ مِن العَظَمَةِ بِقَدْرِ ما نَقْتَرِبُ مِنَ التَّوَاضُعِ " لو أخذ رأيي في صياغتها ما وافقت علي إخراجها بهذا الشكل المبتور ، كنت اشترطت أن يكون لها تكملة ، علي هذا النحو : " وأن الإفراط في الطيبة يعرضك المهانة !!
أتكأ في طرح هذه التكملة لتكتمل الغاية المثلي من التواضع علي ما يلي :
أن الإفراط في العطاء يعلم الناس الاستغلال ، ‏و الإفراط في التسامح يعلم الناس التهاون في الحقوق ، ‏‏و الإفراط في الاهتمام بالآخرين يعلمهم الاتكالية، وأن ‏التوازن في الفضيلة هو ضمان اتزانها ، ‏واستطيع أن أقول بمليء فمي : " كم من طباع جميلة انقلبت على أصحابها لعدم تحكم أصحابها في حجمها ومقدارها وكنها وأطرها .

تجدر الإشارة إلى أهمية بيان مصطلح التواضع بيانا يزيل الجهل بحقيقته !!
أقول : أن في بعض الثقافات يتصدر التواضع مجموعاتِ القِيَّمِ الحاكمة فيه ، حتى كاد المصطلح أن يكون مَحَلَّ إجماعِ بأنه : الحفاظ على الجانب الإنسانيِّ البسيط و المعروف حتى ولو تغيرت القيمة المعرفية و الإجتماعية و السياسية للشَّخص نفسه، و أن لا تخْلُقَ القيمةُ الطّارئةُ بُرجَ عُزلةٍ و لا نظرة جديدة تنتقِص قدر الآخرين أو قيمَتهم أو يُفهم منها التّعالي عليهم، و ينطبِق ذلك على الأمكنة و الأغذية و الظروف و الدواب و الأجواء و الطرقات.
فالتواضع هو البقاء على الأصل. مهما طرأت الظروف إلي الإرتفاع ، بنفس الأدوات و الرؤية ، لأنها هي التي كانت السبيل إلى التطور و التفوُّقِ و الرقيِّ، و بها سيتحقق المزيد و يستمر المسارُ بشكله الصحيح.

إذا التواضع هو الرجوع إلى الركن و المنبع الذي هو مصدر القوة و مركز التوازن و ميدان المعارف و أساس البناء المُتمثِّلِ في الأصل .

التواضع هو العودة إلى الفصيل الأول المُتناغم مع الفرد منذ نشأته!!
التّواضعُ هو التقييم الذاتيِّ بعيدا عن شَرَكِ الغرور و بريق السلطة و انتصار المال و الجاه، ونبتة الإقصاء التي تنمو في بِرَكِ الأعراقِ و الألوان و الجهاتِ.

التواضع هو الانتماءُ الدائم للمجتمع الإنسانيِّ و المناخ الطبيعي .

التواضع هو انحناءُ الغُصن المُثقَل بالثمار ليُشارك المارَّةَ دون معرفة توجهاتهم و لا ظروفهم و لا قدراتهم .

ورغم ماسبق من كلمات محفزة للتواضع ، إلا أن الإسراف في التواضع قد يفقد الناس القدرة على رؤية الحدود. كما قال : "جلال الدين الرومي " فإذا تواضع الإنسان في مواقف لا ينبغي فيها التواضع ليقال إنه متواضع ، فقد مَسَكَ وصب النفاق ولطخه الرياء . فحقيق علي الإنسان أن يكون تواضعه لله ، ولا يأبه بمدح مادح او بذم حاقد !!

وعلي الأمة أن تكون حصيفة في معرفة كنه التواضع ، فقد يتواضع اللئيم إذا احتاج، وإذا استغنى تجبر وتكبر ، وقد يتواضع الشريف مع من لا يستحق مخافة آراء الآخرين .

لله در العرب في غابر الأزمان حين قالوا : " من العجب ترك العجب في موضع العجب" فلذا انا متعجب من غرور الجاهل والضعيف _ فكريا وسلوكيا _ بنفس درجة تعجبي من المتميز في علمه وخلقه عندما يتكبر علي من يقدرون تميزه ويحترمونه !!؟

وعليه : فإن التواضع المقنن المنضبط الأطر والتوجهات
هو أبو كل الفضائل ، لما فيه من اجتلاب المجد واكتساب الود ، ولا حسب كالتواضع ولا شرف كالعلم. وأشد العلماء تواضعا أكثرهم علما، كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء ، فالإنسان المتواضع هو الذي لا يتباهى بشيء، كالسنبلة لا تنحني إلا كلما كبرت ، وكلما تعملق العالم تواضع. لأن تاج القيصر لا يحميه من وجع الرأس.

أود لو علمتم أن الشخص المتواضع هو الذي يمتلك الكثير ليتواضع به. وأنه لا يتكبر إلا كل وضيع، ولا يتواضع إلا كل رفيع. وكلما ارتفع الشريف تواضع، وكلما ارتفع الوضيع تكبر.

فألينوا جانبكم لأقوامكم وأصدقاءكم وجيرانكم يحبوك، وتواضعوا لهم يرفعوكم وأبسطوا لهم ايدكم يطيعوكم.