الخميس 26 ديسمبر 2024 03:46 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : محاولات توريط مصر في حروب طويلة وتأثيرها على الأمن القومي: نظرة تحليلية

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

على مر التاريخ، كانت مصر واحدة من القوى الإقليمية المؤثرة في الشرق الأوسط وإفريقيا. وقد ساهم موقعها الجغرافي الاستراتيجي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط وعلى رأس البحر الأحمر، إلى جانب كونها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، في جعلها لاعبًا محوريًا في الديناميات السياسية والعسكرية في المنطقة. ومع ذلك، فإن هذه المكانة القوية لم تكن دون تحديات، إذ أن بعض القوى العالمية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، تسعى في بعض الأحيان إلى دفع مصر نحو حروب طويلة الأمد تستنزف قدراتها الاقتصادية والعسكرية، مما يؤدي إلى إضعاف موقعها الإقليمي والدولي.

أهداف القوى الكبرى في توريط مصر

إن استراتيجية القوى الكبرى، مثل الولايات المتحدة، تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة الجيوسياسية في المنطقة عبر استغلال الصراعات المحلية والإقليمية. من بين هذه الاستراتيجيات هي إطالة أمد الحروب وإدخال الدول الإقليمية الكبرى مثل مصر في نزاعات تستنزف قدراتها. الهدف من ذلك يتمثل في:

1. إضعاف الجيش المصري: يعتبر الجيش المصري أحد أقوى الجيوش في المنطقة. عبر توريطه في حروب طويلة ومكلفة، فإن هذه القوى تسعى إلى استنزاف موارده وتشتيت قدراته، مما يقلل من دوره كقوة دفاعية واستراتيجية.


2. تأثير اقتصادي سلبي: الحروب الطويلة تؤدي إلى استنزاف الاقتصاد المصري. في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر بالفعل، فإن تورطها في حروب ممتدة قد يؤدي إلى تضاؤل قدرتها على الاستثمار في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والبنية التحتية.


3. تقويض الاستقرار الداخلي: الحروب الممتدة تؤدي إلى تزايد الاحتياجات العسكرية والتضحيات البشرية، مما قد يؤدي إلى خلق حالة من السخط الداخلي وعدم الاستقرار السياسي، وهو ما يمكن أن تستغله القوى الكبرى لفرض أجنداتها.

معرفة مصر بالمخططات

تُدرك مصر جيدًا هذه المخططات من خلال دور أجهزتها الأمنية والاستخباراتية التي تعمل بشكل مستمر على تحليل الأوضاع الإقليمية والدولية. وتتمتع المخابرات المصرية بقدرة فائقة على كشف هذه التوجهات والتخطيط لمواجهتها. أحد الأمثلة على ذلك هو:

دور المخابرات المصرية في إدارة الصراعات: أدت مصر دورًا بارزًا في الوساطة في العديد من النزاعات الإقليمية، خاصة في ملف فلسطين وليبيا. هذه الاستراتيجية تسهم في تقليل احتمالية تورطها في مواجهات عسكرية مباشرة.

تحقيق التوازن الاستراتيجي: تسعى مصر إلى الحفاظ على توازن القوى في المنطقة عبر تعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية، مع التركيز على تجنب التورط في نزاعات لا تخدم مصالحها القومية.


مصر بين الحذر والتحدي

في الوقت الذي تحاول فيه بعض القوى الكبرى دفع مصر نحو الانخراط في صراعات طويلة، تسعى القاهرة إلى تبني سياسة خارجية متوازنة تعتمد على عدة محاور:

1. تعزيز القدرات الدفاعية دون الانخراط في حروب: تُركّز مصر على تحديث قدراتها العسكرية عبر تعزيز التعاون العسكري مع دول مثل روسيا وفرنسا والصين، مع تجنب الانخراط المباشر في حروب طويلة.


2. تنويع الاقتصاد والابتعاد عن الاعتماد المفرط على المساعدات الأجنبية: مصر تسعى لتقليل اعتمادها على المساعدات الأجنبية، خاصة من الولايات المتحدة، عبر تبني استراتيجيات اقتصادية طويلة الأجل تعتمد على تحسين البنية التحتية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.


3. الوساطة في النزاعات بدلاً من المشاركة فيها: من خلال دورها كوسيط محايد في الأزمات الإقليمية، تستطيع مصر الحفاظ على موقعها كقوة إقليمية دون التورط في حروب تضر بمصالحها.

ختاما لذلك ....تحاول بعض القوى الكبرى استخدام أدواتها لإضعاف مصر عبر إغراقها في حروب طويلة الأمد، ولكن وعي مصر بالمخططات والدور الفاعل للمخابرات المصرية يتيح لها تفادي هذه الفخاخ. من خلال تبني سياسات دفاعية متوازنة وتجنب النزاعات المباشرة، تسعى القاهرة للحفاظ على أمنها القومي ومصالحها الاستراتيجية.