الجمعة 27 ديسمبر 2024 03:30 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حكايات مصيرية

الكاتب الصحفي الحسيني عبد الله: يكتب :أزمة رجولة

الكاتب الصحفي الحسينى عبدالله
الكاتب الصحفي الحسينى عبدالله

في مطلع عام ٢٠٢١ نشرت وزارة التعليم الصينية خططا "لتنمية الرجولة" لدى الطلاب الذكور من رياض الأطفال وحتى المدرسة الثانوية. وتتضمن المبادرة توظيف وتدريب المزيد من معلمي الصالات الرياضية، واختبار الطلاب بشكل أكثر شمولية في التربية البدنية، وجعل التثقيف الصحي إلزاميا، ودعم البحث في قضايا مثل "تأثير ظاهرة مشاهير الإنترنت على قيم المراهقين".
وتأتي هذه الخطة في أعقاب تحذير من أحد كبار المستشارين السياسيين في الصين من أن الأمة تعاني من "أزمة رجولة" وطنية.
وفي مقترح آخر للمستشار الصيني سي زيفو، طرحه في شهر مايو عام ٢٠٢٠ا قال: "لقد أفسدت ربات البيوت والمعلمات الصبية الصينيين". وقال إن الأولاد سيصبحون قريبا "حساسين وخجولين ومخنثين" ما لم يتم اتخاذ إجراء.
واعتبر أن معالجة هذه القضية مسألة تتعلق بالأمن القومي الصيني، ومحذرا من أن "تأنيث" الأولاد الصينيين "يهدد بقاء الصين وتنميتها".
يذكر أن الأفكار حول أدوار الجنسين في الصين بدأت تتغير في السنوات الأخيرة، فمنذ عام 2010، التحقت الفتيات بالجامعات أكثر من الفتيان، وتتفوق الفتيات بانتظام في الاختبارات الموحدة، مما يثير التساؤل حول وجهة النظر الصينية التقليدية القائلة بأن الذكور هم بطبيعة الحال أكاديميون.
و تعاني الصين من اختلال كبير في التوازن بين الجنسين، في بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، وهناك ما يقرب من 37 مليون رجل أكثر من النساء وذلك نتيجة لتفضيل الذكور بموجب سياسة الطفل الواحد في الصين والتي كانت سارية من 1979 إلى 2015.
مبادرة لتنمية الرجولة
كانت فترة
التجنيد العسكري للصينيين أحد الحلول الممنهجة لعودة الخشونه والرجولة للشباب الصيني، ولكن ترى تقارير حديثه أن الوقت حينها يكون قد تأخر كثيرا ( ولم يعد التصحيح والتعديل ممكناً ) لذلك صدر قرار وزارة التعليم الصينية بإعداد خطط ( لتنمية الرجولة ) لدى الأولاد من رياض الأطفال وحتى المرحلة الثانوية .
تتضمن المبادرة :
1 . زيادة توظيف الرجال كمعلمين في الصفوف الدراسية ، وكذلك كمدربين في الصالات الرياضية .
2 . تشجيع الطلاب على ممارسة الرياضات الجماعية العضلية الخشنة .
3 . الابتعاد عن الألعاب الالكترونية .
4 . دعم البحث في قضايا مثل مدى تأثير ظاهرة مشاهير الإنترنت الشواذ على قيم المراهقين
تأتي هذه الخطة في أعقاب تحذير واسع من الباحثين في الصين ، من أن الأمة الصينية تعاني من أزمة رجولة وأزمة وطنية
وقد أصدر الطيب الفرنسي أنتوني كلير كتاب
"الرجولة في خطر" منوهاً إلى أن الحياة المعاصرة في الدول المتقدمة أفقدت الرجال خصائصهم الجسدية والنفسية والأخلاقية أيضا ، وأن الرجل البسيط في الغابة أو الصحراء هو أكثر رجولة من ملوك المال والصناعة والتجار والموظفين الجالسين وراء مكاتبهم .
ويرى الكثيرون أن صورة الرجل لتتشابه تماما مع صورة المرأة إلى حد ( خطير ) فبات نجوم الغرب الذين لا يحملون القيم ، هم القدوة والمثل وصناع الموضة والشهرة ويظهرون في صورهم بالأقراط في آذانهم
ويعلنون وهم في كامل مكياجاتهم عن زواجهم بمثليين .
وقد شهدت الآونة الأخيرة دق ناقوس الخطر من عدد كبير من الباحثين حول العالم وينبهون إلى أزمة الرجولة في العالم بسبب زيادة الاختلاط وغياب الفاصل النوعي ، حيث أصبحت أكثر المدارس تقوم بالتدريس فيها النساء ، وهو ما يرجعه كثير من الباحثين إلى الثورة النسوية في ضوء الحملات المناهضة للتحرش ، والمطالبة بمساواة الجنسين في الحقوق والواجبات والدعوة الى ( تمكين المرأة ) .
انقلبت الصورة رأسا على عقب ، فبعد أن كانت الأنثى تقلد الرجل ملبساً وحلاقة ، فقد تغير الحال وأصبح الشاب يقلد الأنثى ويزداد رقة وانكسار .
هذا هو الأمر الذي انعكس سلباً على المجتمعات من خلال ضياع دور الرجل في المجتمع وضاعت المسؤولية الأبوية في المنزل .
صحيفة ( لوفيغارو ) الفرنسية والباحثة أوليفيا غاوزالي عبروا عن أسفهم و( شفقتهم على هؤلاء الرجال الذين أجبروا على الاعتذار عن كونهم رجالا ) أما الفيلسوف الفرنسي فرانسوا أوشي فعلق قائلاً : لا يمكن أن نظل غير مبالين بالتغيير ( الأنثروبولوجي ) الذي يتم أمام أعيننا في عالم لم يعد يبرز فيه ما يدل على أي فوارق بين الجنسين .
ظل العالم مؤخراً يركز بشكل طبيعي على تمكين المرأة على جميع المستويات ، لكن كيف يتم هذا التمكين بحيث لا تؤثر هذه ( الثورة الأنثوية ) على الجنس الآخر ؟ .
طرحت الكاتبة الفرنسية لاتيتا بونار في كتابها ( هل عفا الزمن على الرجال ؟) ، والذي حوى تشخيصاً واقعياً يؤكد فيه تراجع ترتيب الرجال مستعينة بالعديد من الدراسات . فالمرأة استفادت كثيرا من التكنولوجيا في سد حاجتها عن الرجل بفضل التخصيب الصناعي وغيرها من الأمور في الوقت الذي لم تعد فيه القوة البدنية للرجال ذات فائدة اجتماعية .
تتهكم الكاتبة الفرنسية وتقول : ( أعتقد أننا نطلب المستحيل من الرجال حيث نطلب منهم أن يكونوا أقوياء وضعفاء في نفس الوقت ، وقساة ومتفهمين وشديدين في الخارج ، ولطفاء ورومانسيين بالمنزل لذلك أصبح الكثير من الرجال يميلون إلى الفرار من الواقع تاركين مسؤولية إدارة العالم للنساء فيزداد الطلاق .
وزاد كذلك العزوف عن الزواج ، وكثر العزاب من الرجال والنساء وبأيدينا خربنا ( فطرة الله في خلقة ) بأفكار شاذة ، وقوانين مشجعة على ذلك ، وفقد الرجل ( دوره ) ، وأصبح يتعامل بالمثل فخرج لنا أفكارا مثلية ليتزوج الرجل من رجل للحصول على ( بديل انتقامي ) من المرأة .
قديماً كان العرب يرسلون أبناءهم إلى البادية ليتعلموا الشجاعة، والفصاحة ، والفروسية ، وقوة التحمل ، ويؤكدون التزامهم بالأخلاق والعادات والتقاليد ، وتكون أجسادهم صحية في جو نقي بعيدا عن المدن وملوثاتها وضجيجها وثقافتها .
الآن نسأل كيف أن الكثير من الأبناء كانوا يذهبون سابقاً مع آبائهم إلى الحقول ، وأماكن الكد، وتعلم حياة وتراث أهلهم وأجدادهم ، ولكن بسبب القوانين الجديدة والاشتراطات الكثيرة التي تسببت في نفور الشباب ، وبعدهم عن ممارسة هوايات وأعمال أجدادهم حدث نوع من العزوف والانكفاء على الذات ليصبحوا فريسةً سهلةً للأفكار الخارجية الهدامة .
حينما تشاهد بعض الشباب في المولات والكافيهات والمطاعم والصالات وترى تسابقهم على الصالونات وعيادات التجميل فلا تسأل كيف تقلصت الرجولة وأصبحت صورة من الماضي .
أصبحت الشجاعة والمروءة والشدة في البأس للقراءة والإطلاع فقط ومجرد صور مرسومة في طيّات الكتب المدرسية أو قد تشاهدها في أفلام تاريخية . ترى هل انقضى زمن ( الشوارب والخشونة والعين الحمراء ) والتي ظلت عناوين للرجولة ؟