الأربعاء 5 فبراير 2025 09:07 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د/إيهاب بديوي يكتب : الوسط الأدبي في مصر

د/إيهاب بديوي
د/إيهاب بديوي

أعتقد أن الوسط الأدبي الرسمي في مصر قد مر عليه الآن حوالي مائة عام. ربما يؤرخ لبداية الأدب النثري بقصة القطار لمحمد تيمور عام 1917. ورواية زينب لمحمد حسين هيكل عام 1913. طبعا الشعر أقدم من ذلك بكثير في تلك الفترة أيضا شهد أوج تألقه ومجده بوجود الكبار أحمد شوقي وحافظ ابراهيم. إذن نحن أمام حراك أدبي فاعل ومهم أسس لظهور الجيل الرائد الذي ضم كتاب النصف الثاني من القرن العشرين والذي توج جيله بحصول نجيب محفوظ على أهم جائزة أدبية عالمية. مع ترشيحات كثيرة سابقة ولاحقة ومستحقون كثيرون أيضا لم يحصلوا عليها. تميز الوسط الأدبي طوال الوقت بالصراع والتكتلات والشللية والعلاقات المضطربة الحادة التي تصل إلى الصراع الجسدي في مجالس تقسيم ما يمكن أن نسميه مقدمة الصفوف التي تضمن دخلا ماديا مستقرا يساعد المبدع على ممارسة حياته. في العهد الملكي لم يتبلور الصراع بشكل يؤدي إلى الصدام الحاد رغم وجود صدامات فكرية عنيفة ومعاناة الكتاب من التجاهل التام وسيطرة عدد محدود على الواجهة واحتياج الكاتب إلى مقالات نقدية من نقاد بعينهم ليتمكن من دخول الوسط الأدبي معترفا به كأديب. ولعل هذا ما أخر ظهور نجيب محفوظ مثلا حتى نهاية الأربعينات كأديب له حضور قوي. وهو أيضا ما ظلم الكثير من الأدباء وأنهى مسيرتهم مبكرا. بعد تغيير نظام الحكم واهتمام النظام الجديد بالثقافة وتفعيل أهميتها بإنشاء قصور الثقافة ونشرها في جميع انحاء الجمهورية بدأ صراع من نوع آخر على المناصب الإدارية والنشر والجوائز أدى إلى تكون جماعات شللية تطورت في السطحية والاهتمام بالكرسي إلى المشهد الحالي الذي نراه حاليا. فرغم أن الهدف الأساسي كان نشر الثقافة واختيار المبدع الحقيقي. تحول الأمر إلى تكتلات قوية محكمة تسيطر على أي انتخابات وتدفع وفق اتفاقات محكمة مسبقة بوجوه محددة تجدها مفروضة على المناصب طوال الوقت دون ان يكون لها أي صدى ابداعي حقيقي ولا وجود أدلي فاعل. ومع تولي من لا يستحق المناصب الإدارية يبدأ في تقريب من هم أقل منه ويدينون بالولاء له ليبقى في منصبه أكبر فترة ممكنة. ويمنح العضوية التي تؤدي إلى التصويت في المجمعات الانتخابية لكل من يمكن أن يستفيد منه. بل وصل الأمر بالبعض إلى منح العضوية العلنية لأشخاص ثبت بالدليل القاطع أنهم لصوص إبداع بل ووضعوهم في لجان تحكيم الأعمال الأدبية إمعانا في التسطيح وقتل الإبداع الحقيقي ومساعدة الجهلة والحمقى والأغبياء على تصدر المشهد الإداري. على الجانب الآخر من الصورة يظهر لنا سوق النشر الذي وصل في مصر إلى ما قيمته اربعة ملايين دولار. وهو طبعا مبلغ ضعيف جدا لا يساوي عوائد رواية صغيرة ناجحة في الغرب المثقف. لكن رغم ذلك تتصارع على أكبر حصة من هذا المبلغ أكثر من ألف ومائتي دار نشر. وقد طورت دور نشر تتصدر الصفوف آليات محكمة للسيطرة على السوق والتحكم في حركة واتجاه الجوائز الأدبية. إحدى الدور تستهدف الصحفيين والموظفين الكبار وتساعدهم وتحرر لهم أعمالهم الأدبية أملا في دعاية مجانية والوصول إلى جمهور مجهز سلفا. وتفرش لهم الطريق الممهم نحو الجوائز سواء القوائم او الفوز لتصنع هالة ثقافية وتمنح المصنوع قيمة أدبية تجعله ضيفا دائما على الأحداث الأدبية وتحرص كل سنة عل تقديم وجه ادبي جديد لكنه قديم في المهنة لتكسب أرضا جديدة وتجدد دماءها. دار أخرى تنتظر من يحصل على جوائز بالمصادفة البحتة أو تستهدف فئات معينة مصرية وعربية لتمنحهم اسمها في مقابل تاريخهم ومجهود عمرهم وتحرص ايضا على السيطرة عل خط سير الجوائز الأدبية لتحصل كل عام على واحدة دولارية على الأقل تمنحها القدرة على الاستمرار في السيطرة على واجهة المعبد الملعون. خلال النصف الثاني من القرن العشرين اشتهرت أماكن معينة في وسط البلد على أنها اماكن تجمع للمثقفين والأدباء والمريدين والمعارضين للسلطة. تطورت هذه الأماكن الى مناطق تحكم وسيطرة في المناصب الثقافية والجوائز وحركة النشر والحصول على العوائد المادية المحدودة مقارنة بعدد المريدين. وقرب هذه الأماكن تتواجد شقق معينة شهيرة تقام فيها الاجتماعات الأكثر خطورة وخصوصية للتحكم في حركة الوسط الأدبي. وهذه لها حكايات أخرى.
ربما يتاح لي الوقت والفرصة العام القادم للبدء في مشروع كتاب عن هذه الحكايات التي أعرف الكثير منها من مصادرها الأصلية. والكثير ايضا موجود في أماكن معينة. لكن ملخص القول أننا في زمان يحتاج إلى مفاتيح محددة لاختراق التكتلات التي أصبحت عدة طبقات متتالية تزداد سماكة عاما بعد عام.