الأربعاء 5 فبراير 2025 04:03 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاته زكريا يكتب : توازنات القوة الخفية.. مصر تُعيد تشكيل رقعة الشرق الأوسط

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

في عالم السياسة والأمن.تقف القوة الحقيقية خلف الستار حيث يتحكم بها من يملك مفتاح المعلومة ، وليس فقط من يحمل السلاح. هذه الحقيقة تجعل تعيين القيادات الأمنية والاستخباراتية في مصر قضية تتعدى أبعادها المحلية إلى الإقليمية والدولية فتترك أثرا في القريب والبعيد. فعندما تتخذ القاهرة خطوة بتعيين اللواء حسن رشاد مديرا لجهاز المخابرات العامة ، لا تقتصر آثارها على الداخل المصري بل تتسرب موجات القلق إلى كل من يراقب بحذر خاصة في تل أبيب.

المعركة ليست على أرض المعارك التقليدية بل في فضاء المعلومات حيث تتحرك الاستخبارات مسبقا على رقعة الشطرنج لتوجيه الأحداث وتشكيل القرارات. تلك الرقعة لم تعد تقتصر على احتلال مساحات جغرافية أو تحقيق مكاسب مباشرة بل باتت تتعلق بالسيطرة على موازين القوى الإقليمية عبر توازنات سياسية واقتصادية تجعل كل تحرك محسوبا بدقة.

تعيين شخصية مثل اللواء رشاد ، المعروفة بخبرتها العميقة في هندسة الاتصالات وعلاقاتها الوثيقة مع المحاور الدولية المعقدة يعكس توجها جديدا في الاستراتيجية المصرية ليس لمجرد حماية المصالح الوطنية ، بل لخلق توازن استراتيجي يُحكم اللعبة بأكملها في الشرق الأوسط. تأتي هذه الخطوة في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى تقاطعت فيها مسارات عدة مشاريع؛ المشروع الإسرائيلي الطامح للتوسع الإقليمي ، والمشروع الإيراني الباحث عن دور جديد في الإقليم، والمشروع المصري المتزن، الذي يسعى لفرض معادلة مستقلة تحمي مصلحة الدولة دون الانجرار إلى صراعات غير محسوبة.

القلق الإسرائيلي ليس خفيا فتل أبيب تدرك أن صعود قيادة أمنية مصرية قوية من شأنه إعادة خلط الأوراق ، وأن وجود القاهرة كرقم صعب في المعادلة يجعل من الصعب تحقيق "الحلم الكبير" لدولة الاحتلال. وأي إشارات عن تقارب مصري مع قوى مثل إيران في سياق العلاقات المتجددة بين القاهرة وطهران يُثير هواجس أمنية عميقة لدى إسرائيل. فهي تعرف أن تمتين العلاقات المصرية الإيرانية من شأنه تعزيز قوة المحور الذي يربك حساباتها الأمنية ، ويُعقد طموحاتها الإقليمية.

وفي الوقت الذي تتشابك فيه المصالح الدولية تلعب مصر دورا محوريا معتمدة على عمقها الجيوسياسي متمسكة بقرارها المستقل الذي لا يقبل المساومات ومستندة إلى شعب عصي على الانكسار رغم كل التحديات. هذا هو ما يميز قوة مصر ويفرض احترامها إقليميا ودوليا، في مشهد دولي يسعى لتحييد كل من يرفض التبعية.

وفي الأخير يدرك الجميع أن مصر ليست مجرد دولة تمر بمرحلة حساسة بل هي كيان تاريخي عظيم ، قادر على إعادة ترتيب أوراق الشرق الأوسط بقرارات حاسمة واستراتيجيات تتجاوز حدود الصراعات ، وترسخ لها موقعا جديدا على رقعة شطرنج السياسة الدولية.