الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب :ا لومضه ٧٢( جزء ثان) .... الطبيعه لاتزال شابه.
الجارديان المصريةكلما كان يعبر كوبري المنيل كان يتذكرها ويتذكر أخر لقاء بينهما فوق هذا المكان منذ زمن بعيد حيثُ أمسكا الاثنين بالسياج الحديدي وأستدارا تجاه النهر وثبتا وجوهما نحو صفحته الخالده ، وقفا متجاورين يتهامسان تسأله هل هذا هو اخر لقاء بينهم؟ساعتها صمت كثيرا وتحير ان يجيبها ، فالسؤال صعب والاجابه عسيره ، وكيف لايكون السؤال صعبا وقد اخبرته قبلها بدقائق ان العريس الجاهز قد تقدم بالامس الي أهلها وهناك شبه اجماع علي قبوله ، في تلكم الاثناء كان ينظر الي وجه الشمس الحانيه التي تنعكس في الخريف علي صفحه النهر فأضحي نهر من الذهب ، ذهب ليس ملكه بل هو ملك للجميع ، لا أحد يحتكر شباب الشمس ، ولا أحد يغترف من معينها الا بقدار حبه للطبيعه التي لم تشيخ يوما ، اطال الرجل التفكير ثم باغتها:
القدر هو الذي يمكنه اجابه هذا السؤال !!
راح وراحت ، واستراحت هي في كنف عريس الغفله ولم يرتاح هو بعد هذا الفراق المباغت يوما، وظل يذكرها كل يوم حتي عاشت بذكراها روحه علي الوجد سنين يحسبها انها تعاني ولكنها في الحقيقه لم تكن مشغوله سوي بزوجها واولادها واحوال اسرتها و اضحت ذكراه بالنسبه لها ليست سوي ناقوس معطل لايدق في ذاكره النسيان .
واظب المفتون والمقتول علي الوقوف علي أطلال حبه القديم كل عام ، يأتي الخريف فيذهب الي كوبري المنيل ، يقف بمفرده في نفس المكان الكأن في بدايه الكوبري يمسك بالحديد وينظر الي صفحه النهر الخالد فيراه كما هو وفي للجميع لم يتغير ، يستطيع النظر اليه كما شاء ،يخطب وده الجميع فيسمح لهم دون ممانعه اوفراق ، كل شئ في وقفته السنويه لايتغير ، الشمس الحانيه لاتخلف الميعاد وصفحه النيل الذهبيه لاتطوي طي السجل للكتب ،وكذلك ذكري حبها لازال جرحا حيا لم يندمل بعد ، يخبط علي صدره بيده ليطفئ حريق شوقه بيد ان حريق صدره لا ينطفئ بل يتأجج عام بعد عام.
انقضي ثلاثون عاما ولم يزل محافظا علي زياره موقع فراقهما الاخير ، وفي مخيلته صورتها البضه كصوره النهر الخالد ، كل عام يستحضرها مع صوره النهر عند الوقوف بأول الكوبري، ويصرفها في أخره ،ثم يرتد الي بيته تلتصق بعقله ذكراها ، هو لايريد ان ينساها ! واني له ان ينسي سنوات قليله عاشها في كنف الحب اثرت فيه طيله حياته أيما تأثير جعلته يبني قصورا علي الرمال ، بدأ الشيب يتسلل إلي رأسه التي تحمل ذكراها ، في احدي زياراته السنويه انتهي من طقوسه عند اول الكوبري وعند أخره لمح طيفها حقيقه تُطلع أحد أحفادها علي صفحه النهر الذهبيه ، رمقها من بعيد ، وظل يخطو خطوات بطيئه نحوها ، وفي كل خطوه يخطوها الي نهايه الكوبري كان ينمحي من ذاكرته شوق عام ، وفي الخطوه الثانيه والثلاثين عبرها دون ان يطوقها بذراعيه ، وكيف يطوقها وقد تبدلت ملامحها وغادرت الوقوف في بدايه الكوبري منذ زمن طويل ، اما هو فاستمر في المسير وقرر العوده غدا ليحتضن الشمس الحانيه التي لم يصيبها المشيب تلقي بضيائها علي صفحه النهر الخالد فتجعله نهر من ذهب ، يتجدد هذا كل يوم بينما حبهما لم يتجدد واصابه العجز والشيخوخه منذ ان غادرت حبيبته موقعها في اول الكوبري بعدما طرحت علي حبيبها سؤالا لايجيب عليه سوي القدر.