دكتور علاء الحمزاوى يكتب : منهج الإسلام في العناية بالطفل:
الجارديان المصريةــ الطفولة أهم مراحل حياة الإنسان؛ فهي مرحلة البناء والتشكيل؛ فالعُـود إذا استقام غضا طريا يظل مستقيما، وإذا اعوجّ عند تكوينه يظل مائلاً؛ لذا اعتنى الإسلام بالطفل؛ فأقسم الله به فقال: {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}، وذكره القرآن في عـدة مواضع كقوله: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا}، وعناية الإسلام بالطفل تبدأ باختيار أمـه، ففي الحديث «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ»، الأكفاء جمع كفء وهو المثل، أي تزوجوا من أمثالكم دينا ونَسَبا، ثم اعتنى الإسلام بالطفل جنينا؛ فأباح الفطر للمرأة الحامل إذا كان في صيامها ضرر عليها أو على الجنين، ففي الحديث «إنَّ اللَّهَ وضعَ عَن الْحَامِلِ وَالْمُرْضِع والمسافِــرِ الصِّيَامَ»، ونهى الإسلام عن قتل الجنين (الإجهاض) كما نهى عن قتله طفلا؛ قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}، فالآية تشمل الولد جنينا وطفلا؛ والدليل أن النبي أخَّـر إقامة الحدِّ على المرأةِ الغامدية رعايةً للجنين الذي حملت به من سفاح حتى تلده.
ــ من العناية بالطفل اختيار اسمه؛ ففي الحديث «تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَنْبِيَاءِ، وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ»، ومن العناية بالطفل العقيقة عنه وقصُّ شعره والتصدُّق بوزنه فِضة أو ذَهَبا، ففي الحديث «عَــقَّ رَسُولُ اللَّهِ عَنِ الحَسَنِ بِكبشين، وَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ احْلِقِي رَأْسَهُ، وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً، فَوَزَنَتْهُ فَكَانَ وَزْنُهُ دِرْهَمًا أَوْ بَعْضَ دِرْهَمٍ»، فصارت العقيقة سُنة مؤكدة، وهي عن الولد شاتان وعن البنت شاة.
ــ من العناية بالطفل الرضاعة الطبيعية؛ فلبن الأم أفضل غــذاء صحي متكامل، يحوي كل العناصر الغذائية اللازمة للمولود؛ لذا رخَّص الإسلام المرضعة الفطر في رمضان إذا كان الصيام يضر بها أو بالرضيع، ورغَّب الإسلام في إتمام مدة الرضاعة سنتين حفاظا على صحة الطفل؛ فقال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، فهذا إخبار يحمل معنى الأمر، ولا يختلف لبن الأم عن لبن امرأة أخرى، فقد رضع النبي من ثلاث نسوة أو أكثر؛ وهذه عادة أشراف العرب.
ــ ومن العناية بالطفل إشعاره بالحنان والرحمة والإشفاق عليه؛ «كان رسولُ اللهِ يُقبِّلُ الحَسَنَ والحُسَيْن، فقال الأقرَعُ بنُ حابِسٍ: إنَّ لي عَشَرةً مِن الوَلَدِ ما قبَّلتُ منهم أحَدًا، فقال رسولُ اللهِ: مَن لا يَرحَمْ لا يُرحَمْ»، وكان النبي ينوي الإطالة في الصلاة فيتخفف حينما يسمع بكاء طفل إشفاقا عليه وعلى أمه، وأخبر أن الأطفال حصن أمان وحماية للأمَّة من عذاب الدنيا؛ فقال: «لولا أطفالٌ رُضَّع وشيوخٌ رُكَّع وبهائمُ رُتَّع لصُبَّ عليكم العذابُ صبًّا».
ــ من العناية بالطفل حسن تربيته ومداعبته، «سئل النبي: ما حق الولد على والده؟ قال: أن يُحْسِنَ أَدَبَهُ»، وكان رسول الله يلاعب الأطفال ويمازِحهم ليدخل السرور في قلوبهم، يقول جابر: «دخلت على النبي وهو حامل الحسن والحسين على ظهره وهو يمشي بهما فقلت: نعم الجمل جملكما! فقال النبي: ونِعم الراكبان هما!»، وعن عمر «علُّموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل».
ــ من العناية بالطفل غرس الإسلام فيه، فكان أَوَّلُ وَصَايَا لُقْمَانَ لِابْنِهِ {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}، وفي الحديث «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».
ــ ومن العناية بالطفل المساواة بينه وبين إخوته حتى ينشأ سويًّا مستقيما محبا لأهله متفاعلا في المجتمع، ففي الحديث «قال النعمان بن بشير: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي ببَعْضِ مَالِهِ، فَقالَتْ أُمِّي: لا أَرْضَى حتَّى تُشْهِدَ رَسولَ اللهِ، فَانْطَلَقَ أَبِي إلى النبيِّ لِيُشْهِدَهُ علَى صَدَقَتِي، فَقالَ له رَسولُ اللهِ: أَفَعَلْتَ هذا بوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ قالَ: لَا، قالَ: إني لا أشهد على جَوْر، اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بين أَوْلَادِكُمْ، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلكَ الصَّدَقَةَ»، فيجب العدل بين الأولاد ذكورا وإناثا؛ لأن ذلك يؤدي إلى العدل في البر بالوالدين، ففي الحديث «أيسرُّك أن يكونوا لك في البر سواءً؟ قال: نعم، قال: فاعدل بينهم»، والعدل أن يعطي البنت نصف الولد أو أن يسوّي بينهما في العطاء؛ لأن الميراث لا يُسمَّى ميراثا إلا بعد الوفاة، والإنسان في حياته يحق له التصرُّف فى ماله كيفما يشاء فيما عدا المعاصي، ويجوز له التفرقة الاضطرارية بينهم في التعليم أو الزواج أو المرض حسب الظروف الطارئة على كل منهم.