الأديب الأردني منصور عمايرة يكتب عن البرناسية ( الفن للفن) والإبداع العربي
الجارديان المصريةحتما، يبقى الأدب والمسرح رؤية انعكاسية تمثل المجتمع الإنساني، عبر الأخيلة والرؤية الفنية، ولكنه لا يكون مرآة سلبية له. يستطيع الكاتب أو الفنان المسرحي والدراما عامة، أن يلمح إلى سلبيات المجتمع، وليس إلى تضخيمها عبر القفز عن القيم السائدة والمألوفة. والمجتمع الشرقي مجتمع قيمي إشارة إلى المجتمع العربي، وهذا يعني الابتعاد عن الألفاظ البذيئة والوصف الجريء الشاذ، ليصبح مثلبة في الأدب، لغايات جلب الانتباه واصطناع ضجة حول المنتوج الأدبي وصاحبه، وهو بالتالي يمثل رعونة ويؤكد عقدة النقص التي يعاني منها الكاتب. وهذا ما ينطبق على المخرج، فقد يكون المخرج يافعا مندفعا ليجد له مكانا في المشهد المسرحي، فيلجأ إلى إحداث فوضى في طرح رؤى لا تخدم المجتمع المحلي ولا المجتمع الإنساني. وتبدو الصورة على الخشبة في العرض المسرحي الحي أسرع انتشارا ودعاية من الكتابة التي تأخذ مدة زمنية أطول حتى ينتشر الكتاب، وهذا لا يعني إجازة ترهل الأخلاق في الموضوع المطروح عبر الأحداث والشخصيات.
لا شك إن الأدب الملتزم يبني المجتمع ويحميه من التهالك، ليكون نبراس ثقافة يشكل وعيا جماعيا محمودا، وخاصة أن بنية المجتمع أصلا بنية ثقافية قيمية تمثل الأكثرية، ويبقى الشذوذ حالات منفردة لا تمثل قيم المجتمع الشرقي والإنساني كذلك، ولا يكون المجتمع الشرقي حاضنا لها، بل يرفض كل ما يدنس الرؤية العامة، ولا ننسى أن المجتمع العربي برمته مجتمع ديني قيمي، يمثل الدين ويدعو إلى نشر الفضيلة.
إن انتشار الرذيلة في الأدب والفن المسرحي والفن بصفة عامة قد تبدو تابعة لمقولة الفن للفن، وهي مقولة يناهضها الالتزام، وكانت البرناسية أو المذهب البرناسي يدعو إلى اعتبار الأدب غاية في حد ذاته وإلى الامتناع عن استعماله وسيلة لعلاج القضايا الاجتماعية والسياسية، تطور هذا المذهب في اتجاه آخر وأُطلق عليه اسم مذهب «الفن لأجل الفن» ويرى أن الأدب ينبغي أن يُنتًج بعيدا عن الاعتبارات الوطنية والاجتماعية والسياسية. ( ممجوجة لدى الغرب، والأمر ليس اعتباطا، بل اتباعا لمنهج المجتمع الإنساني، الذي تحكمه ضوابط أخلاقية.
أهمية الأدب والفن تكمن فيما يقدمه من رؤى يتلقاها المجتمع، ولذلك فإن الأدب والفن وهنا الإشارة واضحة إلى المسرح، تتمحور حول التلقي، فلا بد أن المتلقي يتأثر فيما يقرأ ويشاهد، لأن الغاية من الأدب والفن المتلقي، وبالتالي هو جزء من المجتمع كعضو فاعل فيه، وله دور في نشر الثقافة، فثمة حديث لا بد منه بعد القراءة الأدبية أو مشاهدة العرض المسرحي حول ما تحدث عنه الأدب والفن، ولذلك ينتشر ذاك الشيء، وخاصة إذا ما كان غريبا ومدهشا، وليس الأمر في إطار الغرابة والاندهاش، وإذا ما بقي في هذه الرؤية يكون المجتمع محصنا، ولكن الأمر يتجاوز ذلك إلى تكرار تلك الكتابة الأدبية والمشهدية المسرحية، ليصبح الأمر عادة بانتشار ما يتنافى مع قيم المجتمع وأخلاقه، ويتجاوز الأمر دور الأدب والفن المسرحي تجاه بناء المجتمع، واحترام قواعده الأخلاقية.
أعيد وأكرر أن نشر الرذيلة والإباحية والألفاظ البذيئة الكثيرة والتعمق فيها يؤكد جملة من الأشياء وهي: إحساس الكاتب أو الفنان بشعور النقص. وإحساسه بعدم الانتماء إلى المجتمع والانفلات من قيمه. ولديه بروباغندا شخصية تتسم ببروز الذات مهما كانت الوسيلة، ليكون الأدب والفن غاية لتحقيق مآربه المريضة، ثم قد يكون الأمر اندفاعا غير مدرك العواقب، ليتحدث المجتمع عنه ويصفه بالجرأة، بل قد يتعدى الأمر ذلك عندما يرجم المجتمع، ليؤكد أن الأشياء التي كتبها أو عرضها على الخشبة لها انعكاس ما في المجتمع، ولكن الواقع غير ذلك، فالشذوذ سمة فردية وليست مجتمعية، ومحصورة في إطار مغلق ومعتم.
وبالتالي، لا بد أن يعرف الكاتب والفنان أن المجتمع ملك عام يقوم على أسس إنسانية تتمحور حول الأخلاق ومبادئ الفضيلة، لبناء المجتمع السوي، ولا يحق للكاتب والفنان أن يخدش المجتمع وقيمه لتحقيق مآربه. ثم إن أمر إباحة الكتابة والفن بعيدا عن الرقابة المجتمعية التي تتحدث عن القيم المجتمعية والسلوك الإنساني، مثلبة قد تلتصق بالمؤسسة، لأن المؤسسة هي بنى المجتمع التي تسعى لصقله وترسيخ ثقافة قيمية، فالتهاون في هذا الأمر له صدى بمن يسمح بانتهاك قيم المجتمع، والمؤسسة مدانة في هذا العمل الشائن.