الخميس 23 يناير 2025 10:45 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

السيناريست عماد النشار يكتب : ”هل ما تعوزه لوس أنجلوس يُحرَم على غزَّة؟”

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

لم يكن أحد يتخيل أن جملة "إعادة الإعمار" ستصبح يومًا ما متعلقة بمدينة غربية كبرى، بعدما ظلت لعقود طويلة عنوانًا حصريًا للمدن والدول العربية والإسلامية التي دُمرت بفعل القوى الاستعمارية الغربية، وعلى رأسها أمريكا، سواء عبر التدخل المباشر أو أذرعها الممتدة داخليًا وخارجيًا. وقد كان لقطاع غزة العزة ، نصيب الأسد من هذا المصطلح في العقد الأخير.

وفيما انقشعت غمامة العدوان عن غزة بعد خمسة عشر شهرًا من الدمار الهمجي الذي أتى على كل شيء في القطاع، طُرحت جملة "إعادة الإعمار" مجددًا. وفقًا للتقديرات، فإن مجرد إزالة الركام -الذي يبلغ حجمه حوالي خمسين مليون طن- سيستغرق خمسة عشر عامًا. هذا، بالطبع، قبل الحديث عن إصلاح الطرق والبنية التحتية التي دُمرت عن بكرة أبيها

لكن المفارقة الكبرى أن مدينة أخرى، على الجانب الآخر من الكوكب، تنافس غزة على لقب "إعادة الإعمار". إنها لوس أنجلوس، ثاني أكبر مدينة أمريكية، التي تعرضت للتدمير على مساحة تقترب من 160 كيلومترًا مربعًا -أي ما يعادل تقريبًا نصف مساحة قطاع غزة البالغة 360 كيلومترًا مربعًا. لكن هنا تكمن المفارقة؛ فالدمار في لوس أنجلوس كان بفعل الطبيعة، التي يبدو أنها قررت الانتقام لغزة بعد أن شهدت دمارها الوحشي بفعل السلاح الأمريكي، ذلك السلاح الذي فاق في قوته وتأثيره القنابل التي ألقيت على هيروشيما وناجازاكي خلال الحرب العالمية الثانية.

ورغم تضاعف حجم الدمار في غزة مقارنة بلوس أنجلوس، إلا أن التكلفة المالية لإعادة إعمار الأخيرة تثير العجب. فقد قُدرت تكلفة إعادة إعمار غزة بـ80 مليار دولار، بينما تحتاج لوس أنجلوس إلى حوالي 270 مليار دولار، أي أكثر من ثلاثة أضعاف تكلفة إعمار القطاع. ورغم ذلك، ستتكفل شركات التأمين الأمريكية فقط بـ20 مليار دولار من هذا المبلغ، ليبقى 250 مليار دولار تحتاج إلى داعمين.

هنا يظهر دور الفتوة الأمريكي دونالد ترامب، الذي يُتقن فن الابتزاز بامتياز. فقد سارع إلى تهديد "الداعمين" علنًا، ليضمن ضخ الأموال المطلوبة لإعادة إعمار مدينته. ترامب ليس فقط خبيرًا في معرفة "من أين تُؤكل الكتف"، بل يعرف أيضًا كيف يضع يده على الضرع الذي يُجيد حلبه. وإن لم يستجب الداعمون لابتزازه، فهو مستعد لسحب هذا الضرع ومنحه لداعم آخر ينتظر بفارغ الصبر.

لكن السؤال الأهم هنا: هل سيتردد هؤلاء الداعمون، الذين اعتادوا إنفاق المليارات، في ضخ "بضعة مليارات" لإعادة إعمار غزة؟ أم أنهم سيفضلون توجيه أموالهم لإنقاذ لوس أنجلوس، تفاديًا لشر ترامب وحفاظًا على عروشهم؟

ربما يحاولون التصرف بـ"كرم غير معهود"، فيساهمون بإعادة إعمار المدينتين معًا، لينعموا بهدنة قصيرة لالتقاط الأنفاس، قبل أن تبدأ مرحلة أخرى من الإنفاق على إعادة إعمار أوكرانيا أو أي حرب جديدة قد تفرضها سياسة "الراعي الأكبر".

إنها لعبة المصالح، التي يدفع ثمنها دائمًا المستضعفون. فما يُنفق على الحروب والدمار يُعد أضعاف ما يُنفق على البناء والسلام. ولكن يبقى السؤال المطروح بمرارة: هل ما يُمنح للغرب يُحرَّم على العرب؟ أم أن المعايير هنا ليست سوى مسألة سياسة ومصالح؟