طارق محمد حسين يكتب : اثر الإنترنـت عـلى التماسك الأسري..
الجارديان المصريةلقـد زاد الاهتمام بـين الباحثين في السـنوات الأخيرة في موضـوع تأثيرات التكنولوجيــا الحديثــة عــلي الأسرة والعلاقــات الاجتماعية ، هذا السـؤال الـذي يطـرح نفسـه بشـدٍة: كيـف تؤثِّـر التكنولوجيـا الحديثـة بمـا فيهـا الإنترنـت عـلي التماسـك الأُسري ؟، التماسـك الــذي يعنــي: الرابطــة الـتي تجمـع أفـراد الأسرة الواحـدة ، يتجــلي «التماسك الأسري » في الأنشــطة المشــتركة، والســلوك والمفاهيــم الداعمــة بالإضافــة إلي الآثــار المفيــدة لســلوك الأطفــال وتنميــة شــخصياتهم وقدراتهـم ،إذ غالبـاً مـا يكـون الوالـدان الجهـات الرئيسـة الفاعلـة في بناء شبكة العلاقات الاجتماعية والنوعيــة لشــخصية الأطفــال والمراهقين ارتباطــاً وثيقــاً بطبيعــة وحجــم المــوارد التــي يوفرهـا لهـم الآبـاء ، وتتعــدد أســباب تخــوف الآبــاء مــن الإنترنــت التــي يــرون فيهــا خطــراً كبـيراً بسـبب مـا تلتهمـه مـن وقـت الأطفـال وإبعادهـم عـن دراسـتهم، ناهيك عــما تفتحــه أمامهــم مــن عــوالم غريبــة قــد تهــدد أخلاقهــم وســلوكهم ، ولكن أيضـاً لأنَّهـا تُهدد خصوصيـة الأسرة ، لأن الدخـول في مواقـع الشـبكة وغـرف الدردشـة مـا يسـتدعي تقديم معلومات خاصة عن الشـخص وغالبـاً تكون عن محيطـه العائـلي لأفـراد غربـاء ، أو لـوكالات تجارية ، إن وضع المراهـق تلـك المعلومـات في متنـاول مسـتعملي الإنترنـت مـن الغرباء به خطورة ، ،إن العلاقـات الاجتماعية مفيـدة للصحـة؛ وإن قضـاء وقـت سـعيد مـع الأهـل والأصدقـاء، تزيــد في صحــة الإنســان أفضــل مــن اللقاحــات التــي تمنــع الإصابــة بالمــرض مثـل: التوقـف عن التدخين؛ حيث إن ضعـف العلاقات القوية يـوازي تدخين ١٥ سـيجارة في اليـوم، وأن تراجـع الحيـاة الاجتماعية للإنســان تسبب لـه أمراضـاً نفسـيـة وصحية ، ذلـك أن ُالإنسـان خلِق كي يعيـش مـع غيره، وأن عزلتـه عـن النـاس تُسـبب لـه أمراضـاً نفسـية، وصحيـة َّ، إن وجـود العلاقـات الاجتماعية بين أفـراد الأسرة يعنــي وجــود المحبة ،والعاطفــة، والمــودة، وغيرهــا مــن الصفــات الحميــدة، التــي تجعــل الأسرة متماسكة ومترابطــة، وكان للإنترنــت تأثــيراً ملحوظــاً عــلي مثــل هــذه العلاقــات الحميــدة ، فقـد سـاعد الإنترنـت عـلى توطيـد الكثير مـن العلاقـات الاجتماعية عن طريق وســائل التواصــل الاجتماعي المختلفــة، ولكــن بطريقــة أكثــر بــروداً عــن ذي قبــل، فعــلى الرغــم مــن أن الإنترنــت اســتطاع تقريــب المســافات واختصــارها ، وتوفير الوقـت والجهـد والمـال ، إلاَّ َّ أن الكثير مـن العلاقـات الاجتماعية صارت راكــدة، مملــة ، فقــد اســتبدلت الزيارات ، والتجمعات والمناســبات والأعيــاد ، برسـالة ٍصغيـرة َيرسـلها الشـخص إلى مـن يريـد عوضـاً عن زيارتـه، أو الحديـث إليــه وجهــاً لوجــه، فكانــت تلــك الرســائل أشــبه بتســجيل الحضــور فقــط في حيـاة البعـض، هـذا الحضـور الأسـمى فقـط وليـس الفعـلي.. فاختفـى الهـدف الأصــلي مــن التواصــل الاجتماعي، وأصبــح كلّ شيء بــارداً َّ ، كما أن ُّ التجمعــات العائليــة وتجمعـات الأصدقـاء نفسـها لا يخلـو منهـا هـذا المشـهد الـذي تـرى فيـه كُلّ فــردٍ ممســك بهاتفــه المحمــول متصفــحا للإنترنــت لا يحفــل بالاجتماع مــع أصدقائـه وعائلتـه، فأصبحـت العلاقـات الاجتماعية مفككـة ومتباعـدة بشـكل كبـيـر، واختفــت مظاهــر المشــاركة الفعليــة التــي تكــون في الحــزن والفــرح ، لا شك إن تكنولوجيــا الاتصــال الحديثــة تؤثّــر في ســلوك الفــرد بأبعــاده الثلاثـة: (الأفعـال ، التفكير ، الانفعالات ) وبالتالي عـلى علاقاتهـم الداخليـة (فيـا بينهـم)، وعلاقاتهـم الخارجية كـمـا أن ُّ تكنولوجيــا الكمبيوتــر والإنترنــت تؤثــر في التفاعــل الأسري في ضــوء الإشـباعات المطلوبـة جـراء اسـتخدام هـذه التكنولوجيـا، وكذلـك في ضـوء نسـق القيـم السـائدة في الأسرة والمجتمع، وقـد تكـون عامـلاً يدعـم هـذا النسـق أو يضعفـه، فــإذا كان الكمبيوتــر والإنترنــت يلعبــان دوراً مهــاً في حيــاة الأسرة المعــاصرة، فـإن الجـدوى المتحصلـة تتوقـف عـلى طبيعـة اسـتخدام هاتـان التقنيتان مـن جانـب أفـراد الأسرة والإشـباع المتحقـق ، وفيمــا يخــص الأطفــال، فــإن الاســتخدام المُعتــدل والهــادف للإنترنــت لا يؤثـر عـلى الأداء الأكاديمي أو الاجتماعي مـن جهـة ومـن جهـة َّ أخـرى، فـإن الأسرة تُشــكل المؤثــر الأول في علاقــة الأبنــاء بالإنترنــت والآثــار المترتبــة عــلى هـذه العلاقـة، وهنـا تؤكِّـد الدراسـات العلميٍة عـلى أهميـة دور الأسرة كسـلطة ضابطــة للســلوك ومــا يتفــق ونســق القيــم الســائد، فــإذا مارســت الأسرة هــذا الــدور تصبــح تكنولوجيــا الكمبيوتــر والإنترنــت عامــلاً إيجابيا مناسبا مــن المنظــور الأُسري، وعندمــا تكــون القيــم الضابطــة لســلوك أفــراد الأسرة متفقـة مـع معايير تقرهـا ثقافـة المجتمـع، تكـون هـذه التكنولوجيـا مصـدراً لإثـراء القيـم الإيجابية في الأسرة والمجتمـع ،وفي ظـلّ مـا تطرحـه العولمـة مـن فـرص وتحديـات جديـرة بالاهتمام ، فـإن عمليــة التنميــة والتغيــر الاجتماعي تطــرح عــلي الأسرة مشــاكل وتحديــات تتعلَّــق بتكوينهــا وتماســكها ودورهــا في عمليــة التنميــة، مــن حيــث تعليــم وتأهيـل الإنسـان القـادر عـلي التفاعل الايجابي والتعامـل الواعـي مـع هـذه التطــورات ومحاولــة حــلّ المعادلــة الصعبــة التــي تقتــضي الاســتفادة مــن العولمـة، وفي الوقـت ذاتـه مواجهـة مـا تنطـوي عليـه مـن تحديـات ومخاطر، وهـذا مـا ينطبـق تمامـاً عـلي اسـتخدام شـبكة الإنترنـت .