دكتور علاء الحمزاوى يكتب: حب الوطـن في ميزان الشرع
الجارديان المصريةــ الوطن هو المكان الذي ينتسب إليه المرء ويوصف به وإن لم يولد فيه، وحب الوطن يعني الانتماء له بأن يشعر المرء أنه جزء من ذلك الوطن؛ فيحافظ عليه ويدافع عنه ويُخلص له، ويندمج في المجتمع متفاعلا معه بشكل إيجابي، وحب الوطن واجب ديني على كل مواطن، فقد رسَّخ القرآن فينا حب الوطن في قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ}، فلم يذكر اسمه مع أنه العزيز، إنما عرّفه بوطنه مصر، كما رسّخ القرآن فينا حب الأرض وهي رمز للوطن من خلال مقولة فرعون لموسى: {أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى}، واستثمر السحرة حـب المصريين لأرضهم، فقالوا لهم: {إِنْ هَٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَىٰ}، وطريقتهم المثلى مذهبهم القائم على عبادة فرعون والعيش المنعَّم والعمل بالسحر.
ــ ولا يتحقق حب الوطن إلا إذا تمتّع المرء بشكل متساوٍ مع بقية المواطنين بالحقوق والواجبات كحقه في الأمن والصحة والتعليم والعمل وحرية التنقل والتعبير والمشاركة السياسية والمساواة في تكافؤ الفرص، والتزامه بتحمّل المسؤولية والإخلاص في العمل واحترام النظام والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة والدفاع عن الأرض والمشاركة في بناء الدولة والارتقاء بالمجتمع.
ــ وهذه الحقوق والواجبات نشرها الإسلام في المجتمع عبر ترسيخ قيم العدالة والمساواة والحرية والمسؤولية وغيرها مما يؤدي إلى قـوة الوطن، فبيَّن الله أن من أهداف الرسالات نشر العدل في الأرض؛ قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}، وقال الله للنبي: {قُــلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ}، وأخبر النبي أن جميع الناس سواسية، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، وبين أن جميع المواطنين شركاء في المسؤولية؛ فقال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، وسوّى الإسلام بين جميع المواطنين في جزاء النفع والإضرار بالمجتمع، قال تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
ــ وظهر الانتماء للوطن في بنود "الصحيفة المدنية"؛ حيث نصت على "حرية العقيدة" و"العدالة والمساواة" في الحقوق والواجبات لجميع مواطني المدينة مسلمين وغير مسلمين، فكانت الصحيفة هي القاعدة الأساسية لمبادئ المواطنة في الإسلام، كما ظهر حب الوطن في دعاء النبي للمدينة: ”اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلت بمكة من البركة، اللهم حَبِّبْ إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد“، فاستجاب الله له فبارك في رزقها، وغرس في قلبه حبها، فكان يحبُّها حبّا عظيما لدرجة أنه كان يُسرُّ عندما يرى معالِمَها وهو عائد من السفر، ومن شدة حب النبي للمدينة جعلها عاصمة للدولة الإسلامية بعد فتح مكة التي وصفها النبي بأنها أحب البلاد إليه.