شحاته زكريا يكتب : القمة العربية.. بين لحظة القرار ومصير المنطقة
![الكاتب الكبير شحاتة زكريا](https://www.alguardian.com/img/25/02/11/91885.jpg)
![](https://www.alguardian.com/ix/GfX/logo.png)
المنطقة العربية أمام مفترق طرق جديد ، قمة عربية في لحظة فارقة ، حيث يتجاوز الأمر مجرد اجتماع تقليدي للقادة ، ليصبح اختبارا حقيقيا لقدرة العرب على صياغة مستقبلهم وسط زخم من التحديات والضغوط. لم يعد الوضع في فلسطين مجرد أزمة عابرة بل تحول إلى عنوان لمعادلة كبرى ، تتشابك فيها المصالح الإقليمية والدولية، وتتقاطع عندها خطوط القوى الكبرى ما يجعل من هذه القمة أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي بل فرصة لإعادة رسم مسار المنطقة بأكملها.
لم يعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي مجرد قضية تخص طرفين بل أصبح مرآة تعكس شكل النظام الدولي الجديد حيث تتحول الحسابات السياسية إلى أوزان ثقيلة على ميزان المصالح. إسرائيل التي لطالما سعت إلى ترسيخ أمر واقع جديد ، وجدت نفسها الآن أمام واقع مختلف ، لم يعد فيه الحديث عن "صفقات" و"تطبيع" كافيًا لطمس حقيقة أن مشروعها في غزة فشل في تحقيق أهدافه، بل على العكس بات عاملا محفزا لإعادة إحياء مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي والدولي.
في المقابل الموقف العربي يقف أمام تحديين: الأول هو الحفاظ على وحدة الصف في مواجهة الضغوط الخارجية والثاني هو ترجمة هذه الوحدة إلى أفعال تتجاوز مرحلة البيانات والتصريحات. ما تطرحه إسرائيل من مخططات سواء بتهجير الفلسطينيين أو إعادة هندسة الجغرافيا السياسية للمنطقة ، ليس مجرد حديث إعلامي بل هو مشروع متكامل يتم العمل عليه بوسائل مختلفة، مما يجعل من الضروري أن يكون الرد العربي على المستوى نفسه من التخطيط والفاعلية.
لكن السؤال الأكثر أهمية: كيف يمكن تحويل هذه القمة إلى نقطة انطلاق جديدة؟ هل يكفي التأكيد على ثوابت القضية الفلسطينية ، أم أن الوقت قد حان لاتخاذ خطوات عملية تغير قواعد اللعبة؟ هل تستطيع الدول العربية أن تتجاوز حالة رد الفعل إلى مرحلة المبادرة ، فتفرض رؤيتها بدلا من أن تظل أسيرة لمعادلات الآخرين؟
القمة العربية اليوم ليست مجرد اختبار للموقف العربي من القضية الفلسطينية بل هي اختبار لمستقبل المنطقة بأسرها. فإما أن يكون هذا الاجتماع بداية لتحرك استراتيجي يعيد للعرب وزنهم في المعادلة الدولية، أو يكون مجرد محطة أخرى في سلسلة اجتماعات لم تغير شيئا. الخيار الآن بيد القادة ، لكن تأثيره سيمتد إلى أجيال قادمة، لأن القرارات التي ستُتخذ اليوم أو حتى تلك التي لن تُتخذ هي التي سترسم ملامح الشرق الأوسط في العقود المقبلة.