الأربعاء 12 فبراير 2025 07:08 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د.كمال يونس يكتب : دستور أخلاقيات المسرحيين بين كاثلين فريمان ، وستانسلافسكي

دكتور كمال يونس
دكتور كمال يونس

عالم المسرح فني مهني تحكمه أخلاقيات متعارف عليها تجمعها مدونة أخلاقيات المسرحيين والتي تحدد الانضباط الذاتي ، تجاه الحرفة ، واحترام الزملاء ، والجمهور ، وهي تضع كل ممثل في مكانه محترمة تحفظ له كرامته من خلال التعاون المشترك فيما بين الجميع بعيدا عن الفردية ، وصولا للمسرح المنضبط الجيد ، أرصد في هذا المقال رؤية أساتذة المسرح العالميين نحو صياغة دستور أخلاقي للمسرحيين، وأبرزها تلك المدونة أو الوثيقة التي كتبتها الفنانة الأمريكية كاثلين فريمان عام 5 194 تجميعا لما اتفق عليه أصحاب الفرق ومتعهدو الحفلات ، والتي حددت فيها واجبات الممثل التي يجب عليه أن يضعها دوما أمام عينيه ، ولا يحيد عنها ، وقد أوردتها كالتالي :
-1 العرض يجب أن يستمر! لن أفوت أي عرض.
-2سأؤدي كل عرض بأفضل ما لدي، بغض النظر عن حجم الدور وبغض النظر عن المشاكل الشخصية.
-3 سأحترم جمهوري بغض النظر عن حجمه أو من يتكون منه.
- 4لن أفوت أبداً دخولاً ولن أتسبب في تأخير الستار بسبب عدم استعدادي.
5- سأمتنع عن جميع الأنشطة الاجتماعية التي تتعارض مع البروفات وسأكون دائمًا في الوقت المحدد.
6- لن أغادر مبنى المسرح أو منطقة المسرح حتى أكمل أدائي، النداءات الختامية جزء من العرض.
7-سأذكر أن عملي هو خلق الوهم؛ لذلك، لن أكسر الوهم بالظهور بالزي والمكياج خارج المسرح أو في الكواليس.
- 8 لن أسمح لتعليقات الأصدقاء أو الأقارب أو النقاد بتغيير أي مرحلة من عملي دون استشارة مناسبة.
-9 سأقبل دائمًا نصيحة مخرجي ومنتجي العمل بروحها، لأنهم يستطيعون رؤية الإنتاج ككل ورؤيتي من مقدمة المسرح.

-10سأذكر أن الإنتاج هو جهد جماعي يتطلب أقصى درجات تعاوني؛ لذا سأتنازل عن إرضاء غروري، من أجل متطلبات المسرحية
11-سأكون صبورًا وأتجنب الانفجارات المزاجية، لأنها تخلق التوتر ولا تخدم أي هدف مفيد.
12-سأحترم المسرحية وكاتبها، وأتذكر أن "العمل الفني ليس عملاً فنياً حتى يكتمل"، لن أدين مسرحية أثناء بروفاتها؛ علاوة على ذلك، طالما أنني جزء من الإنتاج، لن أغسل "الغسيل المتسخ في العلن".
- 13 لن ألوم الآخرين الذين عملوا معي في الإنتاج على فشلي الخاص.
-14لن أوجه أبداً نقداً لاذعاً لعمل فنان آخر بدافع الغيرة أو الرغبة في زيادة هيبتي الخاصة.
-15سأجعل الجمهور الذي ألتقي به خارج المسرح يحترم عملي، ويحترمني، وسأكون متواضعًا في قبول المدح أو اللوم.
16 -سأتعامل مع أدوات المسرح والأزياء بعناية لأنني أعلم أنها جزء من أدوات عملي وجزء حيوي من الإنتاج المادي.
17-سألتزم بالآداب والسلوك في الكواليس وسألتزم بقواعد أي مسرح محدد قد أعمل فيه.
18 - لن أفقد حماسي للمسرح بسبب خيبات الأمل والفشل. إنها جزء من عالم العرض.
سأوجه جهودي دائمًا بحيث عندما أغادره، يكون المسرح مؤسسة أفضل لكوني قد عملت فيه.
19-لن أخبر زملائي الممثلين أو المخرج بما يجب عليهم فعله، وكيفية القيام بذلك إلا إذا طُلب مني ذلك .
20- لن أغير النصوص أو الأعمال أو الأضواء أو الممتلكات أو الإعدادات أو الأزياء أو أي مرحلة من مراحل الإنتاج دون التشاور مع والحصول على إذن المخرج أو المنتج أو وكلائهم، وسأبلغ جميع الأشخاص المعنيين مني، سأبدي رأيي فقط عندما يُطلب مني ذلك.
ستانسلافسكي وأخلاق المسرحيين
المسرحي المغربي د.فاضل الجاف في مقاله بمجلة المسرح بعنوان ستانسلافسكي وأخلاقيات المسرحيين ناقش بدقة تحليلية رائعة كيف أبرز الممثل والمخرج الروسي قسطنطين ستانسلافسكي (1863-1938) في معظم كتاباته حول فن الأداء وتقنيات التمثيل، مسألة "الحقيقة الفنية"، وعكوفه على بحث عميق في سعيه نحو تحقيق الصدق الفني، وهو ما يطلق عليه "الحقيقة الفنية"، من خلال رحلته الطويلة التي امتدت طوال مسيرته الفنية، لتظهر سمتان أساسيتان تميّز جميع عناصره الفنية: الأولى هي الصدق، والثانية هي الإخلاص، مؤكدا أن الأخلاقيات المسرحية نداء موجه لكل ممارس مسرحي يعمل بوعي وإخلاص لخلق بيئة ملائمة للإبداع والابتكار، كما تُظهر كيف يمكن للتغييرات الفردية والجماعية أن تُحدث فرقًا كبيرًا في البيئة المسرحية.
وفي ختام كتابه حياتي في الفن يُبرز ستانسلافسكي في هذا الكتاب قيمة أخلاقية أساسية: احترام فن المسرح واحترام جميع الفنانين المشاركين في العملية الإبداعية، بهدف الارتقاء بالمسرح إلى مستوى سامٍ ونبيل، وصولًا إلى الحقيقة الفنية التي ينشدها الفنان المسرحي.
يرى ستانسلافسكي المسرح كـ"معبد فني" يجب أن يُحافظ فيه على “نقاء الروح”، لذلك، يدعو الفنانين إلى ترك همهومهم الصغيرة وتفاهات الحياة اليومية خارج المسرح، كما يدعو الممثلين إلى الابتعاد عن الحسد والأنانية والغطرسة والرغبة في الثناء واستجداء المديح والإطراء والانخراط في المنافسة غير الشريفة. إن هذه المشاعر السلبية، التي تتغذى غالبًا من أجواء التنافس والحصول على الجوائز، تجعل المجال الفني يبدو كـ"كومة من القمامة".
كتاب الأخلاق يعد تأملًا عميقًا، حيث لا يقتصر الفن، كما يرى ستانسلافسكي، فقط على الكفاءة والمهارة والإبداع والابتكار، بل يتجاوز ذلك ليكون له ارتباط عميق بالسلام الروحي والنفسي، كما أن له علاقة مباشرة مع البيئة التي يُنتج فيها الفن. لهذا السبب، يُشدد ستانسلافسكي على أهمية احترام المسرح كمكان مقدس للإبداع، حيث يجب على الفنانين الابتعاد عن المشاعر السلبية والاضطرابات الداخلية، والهدف من ذلك ألا تتأثر عملية الإبداع بتلك الاضطرابات، وألا تتحول التمارين والبروفات إلى مجرد أداء ميكانيكي.
يطرح ستانسلافسكي في «كتاب الأخلاق» سؤالًا جوهريًا: «كيف يمكن للمسرحي أن يخلق بيئة إبداعية وملهمة لعمله؟» وفقًا له، يتطلب ذلك شجاعة حقيقية لمواجهة التحديات، سواء كانت نفسية أو اجتماعية. كما يُرشد الممثلين إلى كيفية تجاوز هذه العقبات، مع التأكيد على أهمية حماية المسرح كمساحة مقدسة تحتضن الإبداع والابتكار.
يُؤكد ستانسلافسكي أيضًا على ضرورة اقتلاع الصفات السلبية من جذورها النفسية، مثل التفاخر، والسعي وراء الشهرة، والتكريمات، والجوائز، والتعالي.
لذا يجب أن يستند العمل الجماعي والديناميكية داخل المسرح إلى التنظيم، والانضباط، والقيم الرفيعة. لهذا السبب، يُعيد ستانسلافسكي التأكيد على مجموعة من النقاط الجوهرية:
أولا:التنظيم والعمل لتحقيق الأهداف الفنية:
التنظيم والانضباط ليسا فقط لبناء الهيكل العام للإنتاجات، بل هما ضروريان أيضًا للهدف الفني. يوضح ستانسلافسكي أن الاحترام الحقيقي للفن يجب أن ينبع من الداخل، أي من ذوات الممثلين أنفسهم، وليس من الخارج.

ثانيا:الصراعات والغيرة بين الممثلين:
يرى ستانسلافسكي أن التوتر والغيرة غير الصحية داخل الجماعة المسرحية مشكلة مدمرة، مشيرًا إلى أن البعض يحاولون إقصاء الآخرين، حيث يُنظر إلى نجاح البعض على أنه تهديد لمكانتهم. هذا الشعور التنافسي السام يخلق بيئة مختلة داخل الفرقة المسرحية. و"يجب تذكير أولئك غير الراضين عن حجم أدوارهم، أنه لا توجد أدوار صغيرة، بل ممثلين صغار فقط".
ثالثا:التعلم المستمر:
يركز ستانسلافسكي على قيمة التعلم المستمر والتدريب المتواصل والاستفادة من تجارب الأساتذة الكبار، خاصة للممثلين الشباب، ويشمل ذلك:
-التعلم من الآخرين:
يشجع ستانسلافسكي الممثلين الشباب على التعلم من أصحاب الخبرة والقدرات الكبيرة، مؤكدًا أن كل شخص لديه شيء يقدمه، بغض النظر عن مكانته أو شهرته.
-قبول النقد بصدر رحب:
يدعو ستانسلافسكي الفنانين إلى تقبل النقد بروح إيجابية، لأن النقد البنّاء يمثل مصدرًا غنيًا للنمو والتطور المسرحي.
-التمييز بين التوجيهات المفيدة والضارة:
يجب على الممثل أن يكون قادرًا على التمييز بين التوجيهات المفيدة والضارة. يرى ستانسلافسكي أن الاستفادة من التجارب المفيدة ليست عملية سهلة، بل تتطلب وعيًا وجهدًا كبيرين.
التعلم المستمر والقدرة على تقبل النقد يمثلان عناصر أساسية في تطوير الممثلين، هذه الرؤية تتطلب مرونة وانفتاحًا على الآراء المختلفة.
-التفكير النقدي والإبداعي:
يدعو ستانسلافسكي إلى التفكير النقدي، معتبرًا أن هذه الطريقة فعّالة لتمييز الأفكار القيمة عن غيرها، ويؤكد أن على الفنان أن يعرف ما يجب أن يتبناه وما يجب أن يتجاهله، وكيف يمكنه الموازنة بين الجمال والتفاهة.
يستشهد ستانسلافسكي بكلمات أوسكار وايلد: “الفنان إما رجل دين أو مجرد مهرج.”

-التمييز بين الجودة والرداءة في الفن
يقول ستانسلافسكي: "على مدار الحياة، احفر في فكرك نفقًا يميز بين الرديء والجيد، وبين الجمال والزيف في فننا".
كثير من الممثلين يكرّسون حياتهم لخدمة الرداءة دون وعي منهم، لأنهم يفتقرون إلى إدراك التأثير الحقيقي لأدائهم على المتلقي.
"ليس كل ما يُعرض على خشبة المسرح يُعد فنًا راقيًا؛ فالسطحية وغياب المبادئ الفنية أصبحا من أبرز أسباب تراجع مستوى المسرح، سواء على المستوى المحلي أو العالمي. هذه العوامل تُعيق المسرح عن بلوغ مكانته الرفيعة التي يستحقها".