الأربعاء 12 مارس 2025 01:13 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاته زكريا يكتب : مصر ورفض التهجير ..،صمود دولة وحكمة قيادة

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

الحديثد عن تهجير الفلسطينيين من غزة ليس جديدًا لكنه يتجدد كلما تصاعدت التوترات في المنطقة، ويظهر في سياقات مختلفة ، لكنه دائما ما يلقى نفس الرد المصري: رفضٌ قاطعٌ ، لا يقبل التأويل أو المناورة. هذا الرفض ليس مجرد موقف سياسي ، بل هو تعبير عن قناعة راسخة بأن العبث بتركيبة المنطقة السكانية هو خط أحمر لا تمسّه الضغوط ولا تغيّره الحسابات.

على مدار التاريخ كان لمصر موقف واضح تجاه القضية الفلسطينية، موقف لم يتغير بتغير الحكومات أو تعاقب الأنظمة، لأن الثوابت الوطنية لا تُباع ولا تُشترى. منذ نكبة 1948 ومصر تدرك أن تهجير الفلسطينيين من أرضهم ليس مجرد جريمة إنسانية ، بل هو مخطط استراتيجي يهدف إلى تصفية القضية برمتها عبر تحويل الفلسطينيين من أصحاب حق إلى لاجئين مشتتين بلا هوية سياسية واضحة. لذلك لم يكن مستغربا أن يكون الرد المصري على أي مقترح بتهجير سكان غزة هو الرفض القاطع ، المبني على إدراك عميق لتداعيات مثل هذا المخطط.

مصر تعرف أن الأمن القومي لا يُحفظ بالبيانات الدبلوماسية وحدها بل بالمواقف الحاسمة التي لا تقبل المساومة. استقبال اللاجئين في حالات الطوارئ شيء ، وتحويل سيناء إلى "وطن بديل" شيء آخر تماما ، والفارق بينهما هو الفارق بين الإنسانية والتفريط في السيادة. القاهرة لم تكن يومًا دولة تتخلى عن واجبها الإنساني لكنها في الوقت نفسه ليست ساحة مفتوحة لاستقبال مشاريع التصفية السياسية.

الولايات المتحدة وإسرائيل بطرق مباشرة أو غير مباشرة لم تتوقفا عن محاولة تسويق التهجير كحلٍّ للصراع، لكن المشكلة في هذا الطرح أنه يخلط بين السبب والنتيجة، إذ يتجاهل أن المشكلة ليست في سكان غزة بل في الاحتلال والعدوان المستمر. الحل ليس في تفريغ الأرض من أهلها بل في إنهاء الاحتلال ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة. هذا ما تفهمه مصر جيدا وهذا ما تصر عليه في كل محفل دولي.لأن البدائل الأخرى ليست سوى قنابل موقوتة ستنفجر في وجه الجميع عاجلًا أم آجلًا.

القيادة المصرية لم تكتفِ بالرفض اللفظي بل اتخذت خطوات عملية تؤكد موقفها. التحركات الدبلوماسية، التصريحات الرسمية، والمساعدات المستمرة لغزة كلها رسائل واضحة بأن مصر لا تتعامل مع هذه القضية من باب الشعارات، بل من موقع الفاعل الرئيسي الذي يعرف وزنه في المعادلة الإقليمية. الرسالة الأهم التي ترسلها القاهرة اليوم هي أن التهجير لن يمر ، لا عبر الضغوط السياسية، ولا عبر الألاعيب الإعلامية، ولا عبر الأزمات المفتعلة.

مصر عندما تتحدث فإنها تفعل ذلك بثقة الدولة التي عاشت آلاف السنين ولم تهتز وبحكمة القيادة التي تعرف متى تتحدث ومتى تتحرك. الموقف المصري لم يتغير ولن يتغير لأن الدول لا تتصرف بردود الأفعال ، بل وفق استراتيجيات واضحة تحمي أمنها القومي وتحفظ حقوق شعوب المنطقة. والذين يراهنون على إرهاق مصر بالمراوغات السياسية سيكتشفون عاجلا أن الرهان على استنزاف الصبر المصري هو رهان خاسر منذ البداية.