حسين السمنودى يكتب : دماء الأطفال على القضبان.. صرخة في وجه الإهمال!


الحزن يلف المكان، والصمت المطبق لا يكسره سوى أنين الأمهات وصرخات الآباء. دماء أطفال أبرياء تلطخ قضبان السكة الحديد، وكأنها تكتب رسالة موجعة عنوانها "إهمال لا يغتفر". حادث قطار جلبانة الذي اصطدم بسيارة تقل أطفال حضانة لم يكن مجرد حادث عابر، بل كان صدمة أدمت القلوب، جرس إنذار جديد يدوي في سماء الإهمال، ينادي المسؤولين والمواطنين على حد سواء ليعيدوا النظر في أخطاء قاتلة تكررت كثيرًا، وكان ثمنها أرواحًا لم تتفتح بعد للحياة.
عشرون طفلاً في سيارة مخصصة لسبعة ركاب فقط! مشهد لا يقبله عقل ولا يقره منطق، لكنه للأسف واقع مرير تتجاهله كثير من الأسر، إما بحكم العادة أو لتجاهل المخاطر. كيف يمكن لسائق محاط بضجيج عشرين طفلاً أن يسمع صافرة قطار تقترب بسرعة؟ وكيف يُسمح أصلاً بتحميل هذا العدد في سيارة صغيرة؟ الحادث قدر لا مفر منه، لكن الأخذ بالأسباب واجب، والتهاون في أرواح الصغار جريمة لا تغتفر.
لكن هل تقع المسؤولية على الأهالي فقط؟ بالتأكيد لا، فالإهمال الحكومي في تأمين معابر السكك الحديدية يمثل عاملاً رئيسيًا في هذه الكارثة. فتحات غير قانونية تفصل بين القضبان كل مئتي متر، فتكون ممراً للموت بدلًا من أن تكون طريقًا للحياة. كان بالإمكان سدّ هذه الفتحات منذ زمن، لكنها تُفتح مرة تلو الأخرى، سواء بإهمال المسؤولين أو بعناد المواطنين الذين يعيدون فتحها لاختصار الطريق، غير مدركين أنهم يختصرون أيضاً أعمار أبنائهم.
الأشجار الكثيفة على جانبي السكة الحديد تزيد الطين بلة، فهي تحجب الرؤية وتمنع السائقين من رؤية القطار حتى يصبح على بعد أمتار منهم، وحينها يكون الأوان قد فات. لو كانت المسافة مكشوفة على امتداد 25 مترًا، لكان بإمكان السائق رؤية القطار والتوقف قبل فوات الأوان، لكنه وجد نفسه فجأة أمام الموت، لا مهرب ولا مفر.
اليوم، وبعد أن سالت دماء الأطفال على القضبان، ستتحرك الجهات المسؤولة كالمعتاد، سيُصدرون قرارات بإغلاق المعابر غير القانونية، وسيوجهون بإزالة الأشجار وحواجز الرؤية، وسنشهد تحركات رسمية هنا وهناك، لكنها للأسف تأتي دائمًا بعد فوات الأوان. كم من حادث مأساوي يجب أن يقع حتى نتعلم الدرس؟ وكم من طفل يجب أن يدفع حياته ثمنًا لهذا الإهمال؟
إن أرواح هؤلاء الأطفال ليست مجرد أرقام تُضاف إلى سجلات الحوادث، إنها صرخات يجب أن تصل إلى ضمائر المسؤولين والمواطنين معًا. لن ينفع البكاء ولا الندم بعد الآن، فإما أن نتحرك جميعًا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو نستعد لخبر مأساوي جديد في الغد، يحمل العنوان ذاته: "الإهمال يحصد أرواح الأبرياء من جديد".