السبت 19 أبريل 2025 07:02 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

السيناريست عماد النشار يكتب : الفيل من إبرهة إلى ترامب: بين الطغيان والهلاك

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

قد لا يدرك الكثيرون أن الفيل، الذي يُعد رمزًا وشعارًا للحزب الجمهوري الذي يقوده ترامب، يشترك في دلالته الرمزية مع فيل أبرهة الأشرم، في مشهد يثير تساؤلات التاريخ المتكرر. وكأنما التاريخ يعيد نفسه تطبيقًا لقول الله تعالى: "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"، حيث تتكرر الأحداث وتتناغم الدروس عبر الأزمنة، ليظل الماضي مصدرًا للفهم والإلهام في الحاضر. بينما يستقي البعض توقعاتهم من قنوات مثل "سامبسون" الأمريكية، نجد أن يقيننا يتأسس على مصدر ثابت لا يتزعزع، وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، حيث تظل كلماته هادية للمسلمين في كل زمان ومكان.
لا فرق بين الفيل شعار الحزب الجمهوري الذي يمثله ترامب وبين فيل أبرهة الأشرم، فكل منهما يرمز إلى الطغيان والدمار. فيل أبرهة الذي قاد جيشًا لحصار مكة كان رمزًا للقوة الجبارة في نظره، وكان حمله على ظهره يقصد به تحدي إرادة الله، فإذ به يكون سببًا في هلاكه وهلاك جيشه. اليوم، نتحدث عن فيل آخر، فيل ترامب، الذي يتقدم المشهد السياسي الأمريكي وهو يحمل في داخله نفس الطغيان، وبنفس الأوهام العمياء التي دفعت أبرهة إلى تدمير مكة. لكن فيل ترامب لا يسعى لهدم الكعبة المشرفة، بل إلى هدم "كعبة الصمود" في غزة، تلك المدينة التي قاومت الحصار والقصف والجوع، والتي ظلت واقفة رغم كل محاولات التطويع والطمس.
قال الله تعالى: "وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ" (آل عمران: 140)، فالتاريخ يعيد نفسه بوجوه جديدة وأشكال مختلفة، لكن الفكرة ثابتة: الطغاة لا يلبثون أن يلقوا مصيرهم المحتوم مهما اعتقدوا أن القوة هي الطريق الأقوى لتحقيق أهدافهم. كما أن فيل أبرهة كان يرمز إلى الغطرسة التي لا تخلو من خفة عقلية، فإن فيل ترامب اليوم يشبهه في طموحاته التوسعية الجشعة التي لا تقيم وزنًا للحقائق التاريخية أو الإنسانية. إذ يسعى ترامب، بنفس الجبروت الذي خاض به أبرهة معركته في مكة، إلى محو غزة من الوجود لتأسيس مشروع استيطاني على أنقاضها، ليقيم مكانها مشروعًا استيطانيًا على الطراز الأمريكي، مدينة شاطئية على غرار الريفييرا.
تمامًا كما سار أبرهة بفيله نحو مكة ظنًا أنه يملك مفاتيح المصير، يسير ترامب بخططه ومشاريعه نحو غزة، مدجّجًا بالإعلام والمال والتحالفات. لكن السؤال الأهم: من يضمن أن النهاية لن تكون ذاتها؟ أن لا تهبّ عليهم طيورٌ أبابيل جديدة، ربما ليست من السماء هذه المرّة، بل من ضمائر الشعوب، ومن صلابة أصحاب الأرض، ومن ذاكرة التاريخ التي لا تنام؟
في مشهد مشابه لحال عبد المطلب، جد النبي صلى الله عليه وسلم، حين كان في مواجهة جيش أبرهة، لم يكن يملك سوى الدعاء والإيمان بأن الله هو الحامي والناصر، حيث قال في لحظة عجز واضحة: "أنا رب الإبل، وللبيت رب يحميه". كانت تلك كلمات تعبر عن تسليم كامل للقدرة الإلهية، بعد أن عجز عن الدفاع عن مكة بجيش أو سلاح. اليوم، تعيش الشعوب العربية والإسلامية حالة مشابهة، تواجه الطغيان والعدوان، عجزت عن الوقوف في وجه الاحتلال والظلم. لكن في ظل هذه الهزائم والصمت، تظل كلمات عبد المطلب هي ما يتردد في صدور المؤمنين في كل مكان: "للبيت رب يحميه". في عجزهم، يرفعون أيديهم بالدعاء، وتظل قلوبهم مليئة باليقين بأن الله لن يتركهم، مهما طال الزمن.

وفي مشهد موازٍ، يظهر "أحفاد أبورغال"، مضرب المثل عند العرب في الخيانة، الذين قدّموا أنفسهم كطريقٍ للخيانة والتواطؤ مع أعداء الأمة. هؤلاء هم الذين يعيدون اليوم نشر خيانة أجدادهم، يتعاونون مع العدو ويسعون جاهدين للتهوين من معانات أهل غزة، بل ويحاولون جاهدين بيع تاريخ الأمة مقابل مصالح ضيقة وفارغة. هؤلاء الذين اختاروا الخيانة تحت مسمى "التطبيع" هم أشبه بأبورغال، ذلك الرجل الذي خذل قريشًا في مواجهة أبرهة وجعل نفسه عونًا للعدو. ولكن، كما لم يُكتب لأبرهة النصر، فإن هؤلاء أيضًا لن يجدوا في خيانة الأمة سوى الخسران.

وكأنما التاريخ يعيد نفسه، بين الطغاة والخونة، الذين يظنون أن في قدرتهم قهر الشعوب وفرض إرادتهم عليها، لكن الحقيقة أن النهاية لن تكون كما يتخيلون. كما أن أبرهة هلك في النهاية وانهزم جيشه أمام إرادة الله، سيظل التاريخ يذكر أن الطغاة مهما تحصنوا بالمال والسلاح والتحالفات، لا بد لهم من الوقوع في قبضة القدر. والأيام قادمة لتكتب النهاية التي لا تكون بأيديهم، بل بيد من بيده مقاليد السماوات والأرض. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.