الأربعاء 16 أبريل 2025 06:23 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

أشرف الشناوى يكتب : السقوط في مرآة مواقع التواصل الاجتماعي (مرآةُ الوهم وموتُ الصدق البطيء)

الفنان والأديب اشرف الشناوى
الفنان والأديب اشرف الشناوى

في زاويةٍ مظلمة من الروح، حيث لا تصل أضواء "الفلاتر"، تجلس الحقيقة مقيدة، بلا زينة، بلا صوت، عارية من كل الأقنعة التي نُراكمها كأننا نبني بها نجاةً وهمية من أنفسنا.

نبدو على ما يُرام... نرفع صورًا تبتسم بزاويةٍ محسوبة، ونكتب تحتها كلماتٍ تلمع كالذهب المغشوش، ثم نغلق الهاتف ونعود إلى سريرٍ يتنفس بكاءً مكتومًا.

لماذا نكذب؟

لأن قول الحقيقة يحتاج إلى شجاعة لا توفرها "إيموجي". لأن الاعتراف بالهشاشة لم يعد رومانسيًا، بل يُقرأ كإعلان إفلاس عاطفي.
نحن أبناء زمنٍ صار فيه الانكسار "عيبًا"، والضعف "محتوى غير مناسب".

نخاف من أن نقول "أنا لست بخير"، لأننا نعلم أن أحدًا لن يحتضن جرحًا، بل سيُعلّق عليه.

نكتب منشورات لا نقصد بها الجميع، بل قلبًا واحدًا؛ نُشير دون أن نُسمّي، نلوّح دون أن نُقبّل، ونترك أثرًا كما تترك الطيور نُدبَها على زجاجٍ لا يُفتح.

نتعقّب أرواحًا عبر الصور، كمن يُقلّب رمادًا علّه يجد جمرة.
نقول إننا تجاوزناهم، لكننا نقرأ تعليقاتهم كما تُقرأ وصايا الراحلين، لا لنفهمهم، بل لنفهم ما تبقّى منّا بعدهم.

نُراقبهم في صمتٍ لزج، كأننا نعزف صلاة حنين لا تُسمع.
نهرب من وجعنا إليهم، ومنهم إلى وجعنا، وكلما فتحنا حسابًا، أغلقنا نافذة صدق فينا.

(الفكاك من المرآة: عودةٌ إلى الإنسان)

ليس الحل أن نحذف التطبيقات، بل أن نُحمّل ذواتنا من جديد.
أن نعود إلى المرآة الحقيقية: مرآة الداخل، حيث لا نحتاج إلى فلتر كي نبدو أجمل، ولا إلى جمهور كي نُثبت وجودنا.

دع الحزن يتمدّد كما يشاء،
دع الصمت يتحدث عنك دون شرح،
دع الدمع يسيل دون بث مباشر.

انزع القناع دون أن تخشى القُبح،
فما من وجهٍ أكثر قبحًا من وجهٍ يُخفي وجهه.

لا تُرسل رسالة لأحدٍ لم يعُد هناك،
ولا تُنقّب في صور مَن دفنتَهم تحت طبقات الوقت.
اكتب رسائلك لنفسك،
علّقها على جدار قلبك،
وكن صادقًا في الخفاء...
ففي زمن العُري العلني،
الصدق صار طقسًا سريًّا لا يُمارسه إلا الناجون.
مارس الحياة خارج الكاميرا،
اضحك دون صوت مُسجّل،
تحدث إلى زهرة، إلى غيمة، إلى الله...
لكن لا تشرح نفسك للعالم.
فالعالم لا يريدك أن تُشفى،
بل أن تُقدّم وجعك في قالبٍ جميل يُشارَك

خاتمة: أن تكون إنسانًا... لا منشورًا

في نهاية الأمر،
لن تُنقذك منشوراتك،
ولا عدد الإعجابات،
بل ما تحمله في داخلك حين تُطفئ الهاتف،
حين تُسدل ستارة التمثيل،
حين تُسأل:
"مَن أنت؟"
فتُجيب دون خوف:
"أنا… كما أنا، لا كما تريدونني أن أبدو."

فانجُ بنفسك من مرآة الوهم،
وامشِ في الأرض خفيفًا...
بلا قناع،
بلا جمهور،
بلا حاجةٍ لأن تُصفّق لنفسك كل يوم.

الحياة ليست شاشة،
بل روحٌ تبحث عن مرفأ.