السبت 19 أبريل 2025 03:57 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور القس جرجس عوض يكتب : المحاولات السبع لقتل المسيح

الدكتور القس جرجس عوض
الدكتور القس جرجس عوض

المحاولة الأولى: عندما كان طفلًا

مولد طفل صغير يزعزع عرش ملك عظيم! شعر هيرودس، من حديث المجوس، أن طفلًا فريدًا قد وُلد، وقد أعلنت عنه نجوم السماء، وأنه وُلد في بيت لحم، وهو الملك المنتظر الذي سيهدد عرشه، بحسب وجهة نظره. فاستبدّ به الخوف، وجُنّ جنونه، وبدأ بشنّ حرب ضروس على المسيح.

لكن السماء كانت يقظة لهذا الخطر، فأنذرت يوسف، عن طريق الملاك، أن يأخذ الطفل وأمّه ويهرب إلى مصر. وبرغم قتل جميع أطفال بيت لحم، نجا المسيح وفشل مخطط هيرودس.

“وَبَعْدَمَا انْصَرَفُوا، إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلًا: قُمْ وَخُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ، وَكُنْ هُنَاكَ حَتَّى أَقُولَ لَكَ. لِأَنَّ هِيرُودُسَ مُزْمِعٌ أَنْ يَطْلُبَ الصَّبِيَّ لِيُهْلِكَهُ.” (متى ٢: ١٣)

المحاولة الثانية: في بداية خدمته

تخيّل معي أن المسيح، في أول عظة له في الناصرة، موطنه، لم يلقَ قبولًا، بل أثارت كلماته غضب السامعين لسببين:

1. عندما قرأ النص القائل:

“رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلَاقِ، وَلِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ، وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَأُكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ.” (لوقا ٤: ١٨–١٩)

ثم علّق المسيح قائلًا إن هذا المكتوب قد تمّ، مشيرًا إلى نفسه، فاتهموه بالتجديف.

2. أشار إلى أن الله أرسل إيليا النبي في زمن المجاعة إلى أرملة أممية لتعوله، بينما كان هناك الكثير من الأرامل في إسرائيل، في إشارة إلى شمول محبة الله لكل البشر، فازداد غضبهم.

يا له من مشهد مثير! فبينما كان المسيح يعظ، قام الجمع متآمرين لكي يطرحوه من أعلى الجبل! لكن المسيح جاز في وسطهم ومضى عنهم، كما ورد في (لوقا ٤).

هل تشعر بالفشل وأنت تخدم الناس؟

لا تنتظر دائمًا ردود أفعال طيبة من البشر. فأنت لست أعظم من سيدك. قد تأتي خدمتك بثمر، وقد تجلب لك الأخطار. كن أمينًا وانتظر، فالمكافآت قادمة.

المحاولة الثالثة: عندما شفى مريض بركة بيت حسدا

رجل مشلول منذ ثمانٍ وثلاثين سنة جاء إليه المسيح وشفاه. لكن رجال الدين لم يروا المعجزة، بل رأوا كسرًا لوصية السبت، إذ أمر الرجل أن يحمل سريره ويمشي.

“فَطَرَدَ الْيَهُودُ يَسُوعَ وَطَلَبُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ، لأَنَّهُ عَمِلَ هذَا فِي السَّبْتِ.” (يوحنا ٥: ١٦)

المسيح رأى الإنسان أولًا، واعتبر تلبية حاجته أعظم من التمسك الحرفي بالوصية، وقال:

“السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ.” (مرقس ٢: ٢٧)

فالدين جاء من أجل الإنسان، ولم يخلق الإنسان من اجل الدين

المحاولة الرابعة: بسبب قوله “قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن”

أعلن المسيح عن أزليته، إذ هو كلمة الله. فالكلمة (أي المسيح) والمتكلم (وهو الله) شيء واحد، إذ لا يمكن فصل الناطق عن المنطوق. الله وكلمته واحد. ومن ثم، فهو الوحيد الذي اختار موعد دخوله إلى العالم، واختار أمّه، وزمان ومكان ولادته، وطريقة موته، وقيامته، وصعوده إلى السماء، لأنه جاء لأداء مهمة الفداء

“قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ.” (يوحنا ٨: ٥٨)

فحملوا حجارة ليرجموه.

المحاولة الخامسة: لأنه قال “أنا والآب واحد” (يوحنا ١٠: ٣٠)

فأخذوا حجارة ليرجموه، حسب شريعة موسى التي تأمر برجم المجدّف.

فقال لهم المسيح بهدوء:

“أَعْمَالًا كَثِيرَةً حَسَنَةً أَرَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ أَبِي، بِسَبَبِ أَيِّ عَمَلٍ مِنْهَا تَرْجُمُونَنِي؟”

وكان يقصد أعماله من آيات وعجائب، ولا سيّما إقامة الموتى وخلق العيون، وهي آيات لا تصدر إلا عن الخالق وحده.

فأجابوه:

“لَسْنَا نَرْجُمُكَ لأَجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ لأَجْلِ تَجْدِيفٍ، وَإِنَّكَ وَأَنْتَ إِنْسَانٌ، تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلَهًا.” (يوحنا ١٠)

والحقيقة أن هذا الموقف منطقي جدًا:

إما أن يكون المسيح مجدفًا وكاذبًا، وهذا مستحيل،

أو أن يكون إلهًا، كما قال، مساويًا للآب، لأنه كلمة الله.

المحاولة السادسة: بعد إقامة لعازر

“فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ.” (يوحنا ١١: ٥٣)

عقد مجمع السنهدريم اجتماعًا خطيرًا، ووقف قيافا قائلًا:

“لا تهتموا بمعجزاته، أو بتعاليمه، أو بجمال شخصيته، فحياته خطر على امتيازاتنا. إن استمر حيًا، فقد ينصّبه الشعب ملكًا، ويثور قيصر علينا ويهلكنا. لذا، من الأفضل أن يموت واحد عن الأمة، من أن تهلك الأمة كلها.”

وإن كان مفهوم قيافا سياسيًا، إلا أن قوله ينطبق روحيًا، فموت المسيح هو حياة للأموات.

“فَلَمْ يَكُنْ يَسُوعُ أَيْضًا يَمْشِي بَيْنَ الْيَهُودِ عَلَانِيَةً، بَلْ مَضَى… إِلَى مَدِينَةٍ يُقَالُ لَهَا أَفْرَايِمُ، وَمَكَثَ هُنَاكَ مَعَ تَلاَمِيذِهِ.” (يوحنا ١١: ٥٤)

وقد فشلت هذه المحاولة، لأن ساعته لم تكن قد أتت بعد.

المحاولة السابعة والأخيرة: الخيانة

الخيانة هي جريمة طعنٍ بلا دماء، ضحيتها قلب وثق وأحبّ وضحّى. لم يكن المسيح ساذجًا، حاشاه، بل يهوذا هو الخائن، سلّمه بقبلة، لكنها كانت أقوى من السيف.

كانت قبلة سوداء في ليلة حالكة، وصرخة صامتة لا يسمعها إلا أنين القلب المنكسر.

فالطعنة الأقسى ليست من سيف العدو، بل من قبضة الحبيب… خيانة تلميذ لمعلّمه.

كانت هذه هي المحاولة الأخيرة، وقد نجحت، وأدّت إلى القبض على المسيح وصلبه.

لو سألنا يسوع:

ما أبشع جلدة أثّرت في جسدك المبارك؟

لأجاب: “جلدة الخيانة!”

وما أقسى مسمار ترك أثرًا لا يُمحى؟

“مسمار الخيانة.”

ما أعمق سقطة أنهكت جسدك الكريم وأنت تحمل الصليب؟

“سقطة الخيانة.”

ما أقسى لطمة على وجهك الكريم؟

“لطمة الخيانة.”

ما أعمق طعنة تركت جرحًا غائرًا في جنبك المبارك؟

“طعنة الخيانة.”

الخيانة من أبشع الجرائم على الإطلاق.

ويبقى السؤال: هل يهوذا وحده هو الخائن؟ أم نحن أيضًا نشبه يهوذا؟

كم مرة خنّا يسوع، تارة بالأقوال، وتارة بالأفعال؟

وبعد الخيانة أُمسك، وحُوكِم، وصُلب في أورشليم، كما ذكرت جميع الأناجيل.

لكن القصة لم تنتهِ بعد! ففي فجر الأحد، قام يسوع من بين الأموات، وأبطل الموت بموته، وبقيامته ضمن لنا الحياة والخلود.

المسيح قام! بالحقيقة قام!

#الكاتب والمفكر:

د. القس/ جرجس عوض