دكتور عادل القليعى يكتب : لماذا يقدم المرء على تقديم استقالته.؟!


ليس ثمة شك أن الإقدام على الإستقالة من منصب أو وظيفة توكل إلى شخصا ما ، شئ صعب وصعب للغاية ، خصوصا إذا كان هذا الإنسان يحب عمله جدا ويتفاني في خدمته وأفنى معظم عمره بين جنباته ، وأخلص وأجاد في عمله حسبة لله تعالى ، على الرغم أن ليس ثمة عائد مادي مجزي لما يقوم به من خدمات ، لكنه قبل بهذا المنصب حبا للمكان الذي يعمل فيه.
لا من أجل بسط نفوذه وهيمنته على مرؤوسيه ولا من أجل السلطة والجاه والوجاهة والشو الإعلامي ، فالمناصب القيادية الآن ، تكليف وليست تشريف.
وإن كان هناك من يسعى جاهدا وبشتى الطرق للحصول على مثل هذه المناصب ليس لحاجة واحدة وإنما لحاجات كثيرة في نفسه ، تأتي آخر الحاجات خدمة هذا المكان الذي وكلت إليه مسؤوليته.
وتأتي أسوأ هذه الحاجات التربح والكسب غير المشروع من خلال طرق ملتوية يعينه عليها بطانة سوء لا تبتغي وجه الله تعالى ولا تعمل بقول الله تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، ولا يعمل بحديث النبي صل الله عليه وسلم ، كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
فيساير هؤلاء الملاعيين ويسير خلف ألاعيبهم الشيطانية فينخرط في طريق الغواية ، وما أن يقع لا يسأل فيه أحد ، بل ويتبرأ منه الجميع ويتخلى عنه.
وكأنه مجذوم أصيب بمرض الجذام فينفر منه من كانوا يحملون عنه حقيبته ويمسحون له كرسييه الذي يجلس عليه.
شاهدنا ذلك كثيرا في واقعنا المعاصر الذي نحياه في كثير من مؤسسات الدولة ، خصوصا المؤسسات الخدمية التي تتعامل مع المواطنين ، فتكثر فيها الرشاوى والمحسوبية ، وما أن يدب الخلاف بين المرتشين إلا ويدبرون المكائد لبعضهم البعض وقد يصل الأمر إلى سجن المزرعة في طرة، كل حسب جرمه الذي ارتكبه.
أما من يتق الله تعالى في عمله منفذا حديث النبي صل الله عليه وسلم ، اخلصوا أعمالكم فإن الناقد بصير ، ومن يتصدى للفساد تكال له الاتهامات ، وقد يشهر به وتشوه سمعته لأنه لم يساير الفسدة.
(اخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)
مما قد يجعله يقدم على تقديم إستقالة مسببة بأسباب واهية ، كأن ظروفه الصحية لا تسمح على الرغم من إنه قد يكون بكامل صحته ، فيجبر على تخليه عن المكان وإلا التهم الملفقة معدة وجاهزة.
أو قد تجبره البيئة المحيطة به، مناخ العمل على تقديم استقالته لماذا ؟!.
لأسباب كثيرة أهمها :
أولا - الظروف الصحية التي يمر بها الإنسان ، فقد يصاب بمرض عضال يقعده عن الحركة مثلا أو يجعله سريع الغضب والانفعال كمرض السكري ، الذي من الممكن أن يصيب صاحبه بجلطات القلب والمخ ، ومن ثم ينصحه الأطباء بعدم الغضب والانفعال ، لكن كيف سيتجنب ذلك وطبيعة عمله تدفعه إلى الغضب وإلى التعامل بحده مع مرؤوسيه.
ومن ثم وحفاظا على حياته يتقدم باستقالته ، أو تخفف عنه الأعباء الوظيفية بعد عرضه على القومسيون الطبي.
ثانيا- قد يكون صوته عال فى الحق ومديره لا يريد صوتا يعلو صوته ، وإنما يريد خشب مسندة ،كل ما تفعله هو هز الرأس بابتسامة ترتسم على الوجوه كل حسب طبيعة تقاسيم وجه ، فينسحب بهدوء مقدما استقالته لرئيسه فتقبل على الفور، من منطلق (راح واراح)
ثالثا- أيضا من الأسباب المهمة ، العمل الجاد لإصلاح ما أفسده الآخرون ، فيجتهد قدر طاقته على حساب صحته وعلى حساب أسرته ولا يجد إلا اللامبالاة والسلبية من زملائه وإذا ما اشتكى أو تململ يطيبون خاطره بكلمتين (ضحك على الذقون)، وتعود ريما إلى عادتها القديمة ، فيتقدم باستقالته مرارا وتكرارا ، فالسلبية وعدم المبالاة وعدم حب العمل أمر خطير يشعر الإنسان بالتعاسة والبؤس الوظيفي الذي قد ينعكس سلبا على حياته الشخصية.
رابعا- ولعل من الأسباب المهمة التي تجعل المرء يقدم على استقالته من منصبه على مضض ، عدم تمكنه من أدوات أداء وظيفته ، أي لا يمتلك السلطة التنفيذية التي تجعله يضبط أداء مرؤوسيه ، فعلى الرغم من العمل وفق سياسة الإخوة والمحبة والكلمة الطيبة ، إلا أن هناك البعض لا تجدي معهم مثل هذه الأمور ، ومن ثم ضرورة إنفاذ سلطة تنفيذية .
حتى إذا لم يستخدمها وإنما يلوح بها متى اقتضت الضرورة لذلك ، سياسة الثواب والعقاب ، من يعمل ويواظب ويجد ويجتهد في عمله يكافأ ، والعكس من يتقاعس عن أداء مهامه يعاقب ، ولابد أن تكون هذه الآليات مكتوبة بأوامر إدارية من الرئيس الأعلى فلا تصلح شفاهة.
فيضطر إلى التخلي عن منصبه بعد أن بح صوته مطالبا بإنفاذ هذه الضوابط التنظيمية.
فيضطر إلى تقديم استقالته.
خامسا-كذلك من الأمور التي تجعل المرء مصرا على استقالته عدم اهتمام مديره بهذه الاستقالة كأن لا يسأله لماذا أقدم عليها فمدير العمل يعد بمثابة كبير العائلة لابد أن يهتم بكل فرد فيها يسمع مشاكله لا أن يستمع إلى صوت نفسه فتأخذه العزة بالاثم فيخسر مرؤوسا كفؤا يشار له بالبنان لا يصدر مشاكل.
حتى وإن كان المتقدم بالاستقالة تركها له في مكتبه دون أن يقابله ، فالقائد رب المكان ضرورة ملحة أن يترفع عن آناه العليا من أجل مصلحة العمل.
سادسا- أيضا من الأسباب المهمة ، التعجل والتسرع في تقديم الإستقالة ، فقد يكون المستقيل لم يحالفه التوفيق فى اختيار التوقيت المناسب لتقديم استقالته ، لكن قد يبرر الأمر بحرصه الشديد على مصالح الناس ،هذه واحدة، أما الثانية ، اشعار الجميع بأهميته وبأهمية العمل الخدمي الذي يقوم به.
سابعا: فقد يكون المستقيل لا يوجد لديه ما يقدمه فيتخلى عن منصبه لمن هو أهل له ممن تختارهم القيادة ، لعل يكون لديه خطط مستقبلية جديدة لتطوير مؤسسته التي يترأسها ، فيأتي بأفكار جديدة لم يأت بها سابقه تضيف جديدا لصالح العمل.
إن الوظائف والأعمال الخدمية مسؤولية وتكليف وليست تشريف ومن ثم فضرورة ملحة خلق بيئة مناسبة تجعل الرئيس والمرؤوسين يشعرون بالرضا عن الدور الذي يقومون به.
من أجل الارتقاء بالمؤسسة التي يعملون بها أيا كانت هذه المؤسسة وأيا كانت طبيعة عملها.
#أستاذ الفلسفة بآداب حلوان.