السبت 26 أبريل 2025 08:46 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

خارج الحدود

أبو الغيط يطالب بوقف فوري للعدوان الإسرائيلي على غزة ويحذر من التهجير والتطهير العرقي

جانب من الاجتماع
جانب من الاجتماع

شهد مقر جامعة الدول العربية في القاهرة، اليوم الأربعاء، الجلسة الافتتاحية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري، بمشاركة مندوبي الدول الأعضاء. جاء ذلك في إطار الجهود الرامية لبحث سبل وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ومناقشة الترتيبات الخاصة بالقمة العربية التي تستضيفها بغداد يوم 17 مايو المقبل.

وفي كلمته خلال الجلسة، أكد أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، أن السياسات التوسعية والعدوانية التي تنتهجها إسرائيل تقود المنطقة إلى دوامة صراعات جديدة، وتقوّض أسس السلام القائم، وتضعف فرص تحقيق سلام دائم مستقبلاً. وفيما يلي نص الكلمة:

"نحيي هذه الأيام الذكرى الثمانين لتأسيس جامعة الدول العربية... ذكرى غالية علينا جميعاً، تجعلنا نشعر بالفخر باستمرار هذا المشروع العربي الجماعي على مدى عقود طويلة، وصموده أمام رياح الزمن العاتية وعواصف التغيير التي أثرت على المنطقة والعالم. نقول إننا نشعر بالفخر، ولكننا لا نخفي مشاعر الأسى أيضاً. فالوضع العربي يواجه تحديات غير مسبوقة؛ بعض الدول تمر بأوضاع هي الأصعب في تاريخها الحديث، بل إن هناك دولًا تهدد وجودها ذاته، وأخرى تعاني من أمراض الفتنة والاحتراب الداخلي.

على سبيل المثال، يواجه السودان، البلد العربي العزيز، أزمة إنسانية حادة تعد الأكثر خطورة في العالم اليوم. ولا يبدو الوضع في اليمن بأفضل حالاً؛ والأسباب في كلا الحالتين سياسية، لكن الثمن الذي تدفعه الشعوب هو ثمن فادح يتجاوز الوصف. كما أن التحديات التي تواجه ليبيا وسوريا والصومال متعددة الأبعاد، شديدة الوطأة على الشعوب وعلى كيانات هذه الدول.

ورغم هذه الصورة القاتمة في بعض جوانبها، فإن العروبة كفكرة جامعة ومنفتحة، وكحقيقة ثقافية وتاريخية قائمة وممتدة، لا تزال تمثل النسيج الرابط لهذه المنطقة. وما زالت هذه المنظمة، بعد ثمانية عقود، المظلة التي تجمعنا بكل همومنا المشتركة وتطلعاتنا وأحلامنا. إنها الإطار الذي ينتج مواقف عربية جماعية حيال كافة القضايا والأزمات، والسقف الذي نتوافق تحته على المصلحة العربية العليا ومقتضياتها.

السيدات والسادة،

لم يعد خافياً على أحد في العالم أن إسرائيل تمارس حرب إبادة ضد سكان غزة؛ فإما الموت قتلاً أو جوعاً، أو ترك الأرض لتصبح نهباً للاستيطان والاحتلال. هذه الحرب الوحشية على المدنيين تتواصل يومياً عبر القصف والقتل وهدم المنازل، والحصار والتجويع ومنع المساعدات. وبعد هدنة استمرت نحو شهرين، والتي شهدت تبادلاً للأسرى وعودة الرهائن، وتخفيفاً للوضع الإنساني المستحيل في غزة، عادت إسرائيل لاستئناف حرب الإبادة في 18 مارس الماضي. ويقترب عدد الشهداء الفلسطينيين الذين قضوا منذ ذلك التاريخ من ألفَي شهيد، فضلاً عن إغلاق القطاع بالكامل أمام المساعدات الغذائية والصحية، مما وضع القطاع وسكانه في حالة هي الأسوأ والأشد وطأة منذ أكتوبر 2023.

لم يعد هناك شك في أن التطهير العرقي هو هدف هذه الحرب. وللأسف، أعطى طرح سيناريو التهجير دفعة غير مسبوقة لخطط اليمين الإسرائيلي المتطرف، تلك الخطط التي تهدف لإعادة احتلال أجزاء من القطاع وفرض حصار كامل عليه، ودفع العالم لتقبل هذا الواقع البشع باعتباره أمراً طبيعياً.

إن صمت العالم أمام هذا الوضع الذي يخلو من الإنسانية هو صمت مخزٍ ومشين. وأشير هنا إلى مواقف البابا الراحل 'فرنسيس'، الذي فارق عالمنا قبل ثلاثة أيام، وكان صوتاً فريداً للإنسانية والضمير في زمن اختار فيه الكثيرون أن يعطوا ظهورهم لهذه القيم. حتى اللحظات الأخيرة من حياته، ظل البابا منحازاً للحق والإنسانية، مطالباً بوقف إطلاق النار وتقديم المساعدة لشعب غزة الذي 'يتضور جوعاً ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام'.

السيدات والسادة،

عبّر الجانب العربي عن موقف واضح يدعو لوقف حرب التطهير العرقي فوراً، ورفض سيناريو التهجير غير الواقعي وغير القانوني. وقد قدّم العرب طرحاً بديلاً خلال قمة القاهرة في مارس الماضي، وهو طرح واقعي وعملي وقابل للتطبيق، يهدف إلى التعافي المبكر وإعادة الإعمار وإدارة القطاع بطريقة تمنع اندلاع مواجهات مستقبلية، وتمهد الطريق لتجسيد حل الدولتين الذي لا نرى بديلاً عنه لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة. ونتطلع إلى دعم أصدقائنا وأصدقاء السلام حول العالم لإنقاذ هذه الرؤية والحل من مخططات اليمين المتطرف في إسرائيل. كما نتطلع للمؤتمر الذي سيعقد في يونيو القادم تحت رعاية الأمم المتحدة وبقيادة سعودية فرنسية مشتركة، ليكون نقلة نوعية في التعامل مع حل الدولتين بشكل يجعله قابلاً للتنفيذ العملي.

السيدات والسادة،

لا تتوقف أطماع المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية عند حدود فلسطين. فقد أصبح واضحاً ما يسعون إليه من فرض واقع جديد في المنطقة؛ واقع يتسم بالتوتر المستديم، والعنف اليومي، والغارات المتواصلة، والمناطق العازلة التي تتغول على سيادة الدول العربية وتقتطع من أراضيها تحت ذرائع واهية.

هذه السياسة التوسعية العدوانية تدفع المنطقة إلى آتون الصراعات، وتضرب أسس السلام القائم، وتضعف فرص السلام الدائم في المستقبل. ندين بشدة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية وتغولها على سيادة الدولة وممارستها المكشوفة لتأجيج الفتن والصراعات الداخلية فيها. كما ندين اعتداءاتها المتواصلة على لبنان وخرقها المستمر لاتفاق وقف إطلاق النار. وندعو المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال الإسرائيلي للانسحاب من الأراضي العربية.

وأقول بعبارة واضحة: إن التصورات التوسعية لليمين الإسرائيلي وسياساته المتهورة لن تؤدي إلى رسم شرق أوسط جديد كما يعلن بعض قادته، وإنما ستؤسس للكراهية وتؤصل للعنف، وستغرق المنطقة في حلقات لا تنتهي من الصراع.

السيدات والسادة،

ما زالت جراح الأمة العربية تنزف، وأخطرها جرح فلسطين المفتوح. ومع ذلك، تظل الدول الأعضاء في هذه المنظمة ملتزمة بمواجهة التحديات بروح العمل الجماعي والعروبة. وأحسب أن الرياح العاتية للتغيرات العالمية المتسارعة، والتي تكاد تقتلع المألوف من القواعد والمعايير، تحملنا على التشبث بهذا السقف والاحتماء بذلك الجدار. ففي أوقات مثل هذه، حين تغيم الرؤية ويشتد انعدام اليقين، يبقى العمل الجماعي ملاذاً وسبيلًا، وتظل العروبة حضناً وسنداً، وباعثاً على الثقة في المستقبل بإذن الله."

جانب من الاجتماع ابوالغيط