الأحد 27 أبريل 2025 11:33 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

محمد الطواب يكتب عن : حالة النقد فى مصر فى الوقت الحالى

الكاتب الكبير محمد الطواب
الكاتب الكبير محمد الطواب

يعيش النقد فى مصر حاليا حالة ملحوظة من الحراك و النشاط الغير مسبوق فى السنوات العشر الاخيرة و اخشى ما اخشاة انها تصبح ظاهرة ترتبط بالكم و لا تهتم كثيرا بالكيف وقد ظهرت من خلال هذا الحراك عدة اتجاهات و ظواهر و التي ارصدها فى الاتى :

اولا : غياب الاسماء الكبيرة

غياب الاسماء الكبيرة الاساتذة فى عالم النقد و التى كنا نستشهد بارائهم النقدية و نسير على هداهم و مناهجهم النقدية مثلما كان النقاد السابقين يفعلون و ينهلون من اساتذتهم من كبار النقاد العماليق من امثال

(طه حسين، العقاد، و رجاء النقاش – سهير القلماوى – عبد القادر المازنى – محمد مندور – لويس عوض) و بعد غياب مثل هذه الاسماء الكبيرة واجهنا مشكلات كبيرة فى النقد و تشتت اتجاهاته ومناهجه.

ثانيا : تأثير الأكاديمين على النقد

ان تأثير الاكاديمين على النقد يتجه به نحو التنظير الاكاديمى المبنى على نظريات سابقة التجهيز حيث اصبح ما يصل الينا من النقد الأدبي يصدر فى الوقت الحالى من جامعات ومعاهد اأكاديمية مما صبغ الاساليب النقدية فى مصر حاليا بالطابع النظري التجريدي و لا يضع فى الاعتبار قدرات القارئ العادى غير المتخصص على فهم ما يكتبون و هذا لايمنع ان هناك اقلام من بين الاكاديمين لها منهجية خاصة و توهج خاص و سبيل الذكر و ليس على سبيل الحصر لدينا ما يكتبه الناقد المبدع الكبير الاستاذ دكتور كمال يونس و الاستاذة دكتورة وفاء كمالو من مقالات نقدية متميزة بعيدة عن التنظير و التقعر و التى تتناول العمل الادبى او الدرامى بقراءة تجمع بين القراءتين الجمالية و القراءة ثقافية و باسلوب بيعيد كل البعد عن التنظير و التقعر و التغريب.

ثالثا : التنوع الكبير بين اجيال النقاد الجدد و اختلاف اتجاهاتهم النقدية :

فى الوقت الذى نجد فيه جيلا قديما من النقاد الذين أسّسوا لمناهج النقد التقليدية مثل (النقد الواقعي – البنيوية – التحليل النفسي،)، نجد ايضا الجيل الجديد من النقاد الشباب الذين يستخدمون ما استحدثوه من أدوات نقدية جديدة و منها النقد الثقافي، ونقد الخطاب، والسيميائيات وهوعلم او منهج البحث عما تخفي اللغة تحت ظاهرها و تحليل رموز النص و دلالاته .

رابعا : النقد الصحفى ونقد مواقع التواصل الاجتماعى :

اصبحت منصات الإنترنت والسوشيال ميديا ملاذا للكثيرين من النقاد الجدد و منفذا جيدا لهم و لاسهامتهم النقدية و سمحت بظهور شكلا جديدا من اشكال “النقد اللحظي” أو الانطباعي وليد التأثر بالعمل الادبى او الفنى ، وهذا النوع من النقد يفتقر الى ابسط قواعد النقد العلمى الصحيح ويعتمد بالدرجة الاولى على ذوق و ثقافة و مستوى تعليم المتلقى والتجربة الذاتية و خبراته السابقة لأن معظمهم عندما يتصدى للنقد فأنه يكتب فى حدود امكانياته النقدية المبنية على ماسبق مما يؤدى او ادى بالفعل تراجع النقد العميق و ظهور هذا النوع من النقد المسطح غير العميق و الذى لا يخدم و لا يرتقى بالنقد الادبى فى مصر و لكن هذا لا يمنع ان نعترف ان من بين من يتصدى للنقد الادبى من خلال هذه الوسائط من هم على مستوى عال جدا من الكتابة النقدية المبنية و المؤسسة على دراسة و علم و معرفة و دراية بماهية النقد و لكنهم قلة قليلة .و ومن بين هؤلاء الناقد الاستاذ/ سيد جمعة الذى يتناول الاعمال الادبية و الفنية برؤية جمالية و ثقافية فى نفس الوقت

و مما سبق نخلص على ما يمكن حدوثه من تأثيرات على حياتنا الثقافية و النقدية :

اولا الإيجابيات:

بزيادة عدد النقاد اصبح لدينا قدر كبير من حرية النقد وحرية التجريب فى هذا المجال ، مما يتيح ظهور أسماء جديدة واعدة سواء في مجالات الإبداع الابدى ( القصه و الرواية و المسرحية و الشعر ) أو فى مجال النقد التى نحن بصددها الأن ، و هذا يتيح لنا الاستمتاع بغزارة الانتاج الثقافى و ما يصاحبه من نشاط نقدى .

ثانيا السلبيات:

لة وجود الاسماء الكبيرة فى عالم النقد وبالتالى قلة ظهور مقالات او اطروحات النقد الجاد المتعمق و الذى يؤدى إلى فوضى في تقييم و نقد الأعمال الأدبية و نجد نتيجة لذلك ان بعض الإبداعات الادبية لا يتم تقييمها نقديا بينما يروج لها جيدا على كل وسائل الاعلام المقرؤة ،و المسموعة و المرئية مما قد يغلب الانتاج او الابداع الضعيف على الإبداع الحقيقي أحيانًا الذى لم يجد من يتصدى له او ينتصر له نقديا ليضعه فى مكانه و مكانته الصحيحة .

و فى النهاية نستطيع القول بأن المشهد النقدي في مصر الآن هو عبارة عن ” ملعبا كبيرا مفتوحًا” فيه الكثير من الطاقات والإمكانات و الاقلام الواعدة، لكنه يفتقر الى التنظيم، و يفتقر إلى خلق مشروعات نقدية عن طرق مؤسسات فنية ادبية تتبنى الكشف عن المواهب النقدية الحقيقية ومتابعة تطورها من حين الى اخر لنضمن ايجاد نقد جاد مؤسس على علم و دراية و منهجية و بالتالى و بالتبعية سوف يظهر بالتوازى مع ذلك ادب جاد و متميز لأن الادب بدون نقد حيقي ليس ادب حقيقى لأنه يفتقر الى التوجيه و الاشادة و المدح او احيانا الانتقاد للارتفاع بمستوى المبدعين فى مصر .

توقعات لمستقبل النقد فى مصر

هناك توقعات بصعود النقد الثقافي وتراجع النقد الأدبي التقليدى و يرون ان النقد في المستقبل سيبتعد أكثر عن النقد الأدبي الذي يركز على “جماليات النص”، وسيتجه نحو النقد الثقافي الذي يقرأ الأدب باعتباره وثيقة اجتماعية تعبر عن قضايا الهوية، السلطة، النوع، الطبقة،الحرية و الى اخر ما شبه من قضايانا الاجتماعية .

و يتوقعون ايضا ان النقاد الجدد سيستخدمون أدوات مثل: التفكيك ، نقد الخطاب، ، دراسات ما بعد الكولونيالية او تأثيرات ما بعد المرحلة الاستعمارية التى عانت منها الكثير من شعوب العالم و منهم مصر بطبيعة الحال و التى يرون ان اثارها على الهوية المصرية لازالت مؤثرة ، و سيظهر بقوة ما يسميه البعض بالنقد النسوي.

ويتوقع الكثيرون ايضا ان يصبح الناقد في مصر “قارئًا ثقافيًا” للعمل الادبى أكثر منه “قارئًا جمالياً خالصًا”. للعمل الادبى

توقعات اخرى لمستقبل النقد فى مصر

مستقبل النقد سيكون نقدا رقميًا بنسبة كبيرة و سنرى مقالات نقدية على مواقع إلكترونية و مراجعات عبر اليوتيوب والبودكاست، و نقاشات نقدية عبر غرف تويتر وفيسبوك.

و سيعود تأثير الجمهور العادي و سيكون له دور اكبر في تشكيل “الذوق العام الأدبي” فى مصر عبر التفاعل والتقييم المباشر، مما قد يخفف من دور و تأثير الناقد الكلاسيكي.

سيبرز عدد من المبادرات النقدية المستقلة التي يديرها شباب عبر الإنترنت، وربما تكون أكثر حرية وجرأة في تناول النصوص وقضاياه . و سيحدث ذلك بسبب تراجع المؤسسات التقليدية (الاعلام و المجلات الثقافية، الهيئات الحكومية).

و نتوقع ايضا مع الانفتاح على الترجمة والاطلاع على حركات النقد العالمية، سيظهرجيل جديد من النقاد المصريون الذين ربما يتناولون بالنقد بلغة أجنبية لبعض الاعمال من الأدب العربي ، أو يشاركون بمقالاتهم فى مجلات نقدية عالمية بلغات اجنبية مما يتيح الفرصة أمام الأدب المصري ليُقرأ بنظرات نقدية عالمية جديدة تمامًا.

و مع ازدياد حاجة المبدعين و المتلقين لمناهج نقد واضحة وسهلة الفهم، وليس نقدًا نخبويًا متقعرا و غارقًا في المصطلحات الاكاديمية فأنه من المتوقع أن يزداد الطلب على النقد البسيط الذي يحاول ان يكون عميقا و علميا ولا يفتقر الى الوضوح فى ذات الوقت و بالتالى فأن نجوم النقد القادمون هم الذين يستطيعون شرح الأفكار النقدية بلغة مفهومة .

تعدد الوسائط التى يتم من خلالها عرض الاطروحات و الرؤى النقدية

و لما كان للنقد الدورالهام و المحوري في تشكيل المشهد الثقافي والفني في مصر، باعتبار ان النقد عبارة عن مرآةً تعكس تطورات الفكر فى المجتمع المصرى ، وأداة هامة لتقويم الأعمال الادبية وتوجيهها او تعديل مساراتها فى بعض الاحيان نحو الأفضل. وبينما اتسمت منصات النقد التقليدية القديمة بطابعها النخبوي والأكاديمي نجد ان منصات النقد الحديثة خرجت خارج هذا النطاق لتفتح المجال أمام كم هائل من الأصوات النقدية الجديدة من خلال منابر جديدة مستحدثة و كتاب جدد من اصحاب رؤى مغايرة لاراء النخبة من الاكاديمين و اليك عزيزى القارئ فى السطور القادمة اتعرض الى بعض هذه المنابر او المنصات التى جعلت النقد هو همها الاول و شعلها الشاغل و منها :

أولًا: منصات النقد القديمة في مصر و ابرزها كانت :

1- الصالونات الأدبية الشهيرة

و التى كانت تمثل النبض الحقيقى للمثقفين المصريين

ففي القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، كانت الصالونات الأدبية بمثابة ملتقيات فكرية تفتح أبوابها للأدباء والمفكرين. و كان من أبرزهذه الصالونات ، صالون مي زيادة الشهير ، الذي استقطب عمالقة الفكر و الادب فى ذلك الوقت مثل طه حسين والعقاد وأحمد لطفي السيد و جبران خليل جبران ، وكانت تناقش فيه القضايا الأدبية والاجتماعية بثراء و عمق ورقي. و فى الحقيقة انه لازال هناك من يحاولون الابقاء على هذه الصالونات الثقافية الفنية كظاهرة قديمة/ جديدة تساعد على تطور الحراك الثقافى فى مصر و تعد بمثابة منابر او نقط انطلاق للعديد من المواهب الادبية و النقدية .

من ابرز هذه الصالونات التى لازالت تعمر بروادها و فعالياتها على سبيل المثال و ليس الحصر :

• صالون الفنان التشكيليى محسن منصور

• صالون مؤسسة الحسينى الثقافية

• صالون الشباب للشاعرة شريفة السيد

• صالون تغريد فياض

• صالون الدكتور سليمان عوض

• صالون الراحل دكتور فتحى الخميسى

2- الصحافة الثقافية

و كان للصحافة الثقافية دور بارز فى الحفاظ على اصول النقد الرصينة فكان لدينا هناك مجلة الهلال و روز اليوسف والرسالة والأهرام التى كانت تعد بمثابة ساحات لكبار النقاد و المفكرين مثل طه حسين، ولويس عوض، وزكي نجيب محمود، و كانوا يقدمون من خلالها تحليلات عميقة للأدب والمجتمع والفكر فى ذلك الوقت .

3- الجامعات والمؤسسات العلمية

و ابرز هذه المؤسسات العلمية كانت كليات الآداب ( كليتى اداب القاهرة و افتخر) و كانت تخرج لنا جيل من النقاد الأكاديميين الذين أسهموا في ترسيخ مناهج النقد الأدبي الحديث. وقدمت الرسائل الجامعية والدوريات العلمية دراسات نقدية مستفيضة، لا تزال مرجعًا لكل الدارسين حتى اليوم.

ثانيًا: منصات النقد الحديثة في مصر

مع ظهور القنوات الفضائية الثقافية والبرامج الثقافية، ، بدأت مفاهيم النقد تصل إلى الجمهور بشكل اكبر انتشارا و لم يعد النقد حكرًا على المتخصصين، بل صار جزءًا من النقاش العام بين الجمهور من غير المتخصصين .و برغم ان ذلك قد يكون احد اسباب ضعف مستوى النقد و النقاد الا انه ساعد على انتشار النقد بغض النظر عن جودته او قدرته على تقييم و تقويم الاعمال الادبية و الفنية فى الوقت الحالى .

1-النقد عبر الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعى

تحولت مواقع الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر و غيرهما إلى ساحات نقد يومية تفاعلية ، يكتب فيها القراء آرائهم حول الكتب، الأفلام، المسلسلات ، الفن التشكيلى وحتى عن الظواهر الاجتماعية.

كما برز نقاد جدد على يوتيوب يقدمون مراجعات تحليلية بأسلوب عصري وبسيط من خلال فيديوهات مكثفة و مبسطة و لا تفتقر الى الموضوعية .

2-المنصات الثقافية الرقمية

و فى الوقت نفسه ظهرت مواقع مثل:

(نقد x نقد ) علاء الجابر - (إضاءات) -(أراجيك ) و(مرايا )- (منشور)- (كتبجي) – (الكتابة) (فسحة) (ثقافة) و غيرهم. و ظهرت هذه فى شكل مجلات رقمية تنشر مقالات نقدية حديثة، مكتوبة بلغة تتوازن بين العمق والوضوح، مع تنوع كبير في الموضوعات والأساليب.

3-مهرجانات و فعاليات ومؤتمرات الثقافة

أصبحت الفعاليات الثقافية مثل معرض القاهرة الدولي للكتاب ومهرجان القاهرة السينمائي، منصات مباشرة للنقد الجماهيري والمؤسسي، من خلال الحوارات المفتوحة والندوات التفاعلية.

4- المجلات و الدوريات الثقافية مثل :

= فصول– مجلة النقد الأدبي تصدر عن: الهيئة المصرية العامة للكتاب

= إبداع - تصدر عن: وزارة الثقافة المصرية.

= أدب ونقد - تصدر عن : حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي.

=الكتاب - تصدر عن : الهيئة المصرية العامة للكتاب.

= الثقافة الجديدة - تصدر عن :الهيئة العامة لقصور الثقافة

= جريدة القاهرة - تصدر عن: وزارة الثقافة المصرية

= مجلة المسرح - تصدر عن: الهيئة المصرية العامة للكتاب بالتعاون مع المركز القومي للمسرح

= جريدة مسرحنا تصدر عن: الهيئة العامة لقصور الثقافة.

ثالثًا و اخيرا : النقد بين الأمس واليوم.. جدلية التطور.. ديمقراطية النقد

و رغم تعدد وسائل النقد و اساليبه و وسائط ممارسته ، تظل وظيفة النقد هى هى لا تتغير : تحليل العمل، وتقييمه، وتوجيهه. و بعد ان كان النقد قديمًا محصورا و حكرا على الاكاديمين و على النخبة، أصبح اليوم أكثر ديمقراطية واكثرسرعة في الوصول و التأثير على المتلقى . بعد ان كان النقد الأكاديمي يتطلب التخصص والدراسة ، فقد اصبح النقد الحديث يفسح المجال للذائقة العامة و لغير المتخصصين فى النقد كل ليدلو بدلوه فى الدلاء. و لكن تبقى الحاجة قائمة الى نقد مسؤول موضوعى لا مجاملة فيه او مواربة او تبادل لمصالح ، او لارضاء شلة او مجموعة بعينيها من الجماعات التى تمارس اقصاء الاقلام النقدية التى لا تجاملهم اوالتى لا تمدح اعمالهم بسبب و بدون سبب و لا تعظم اعمالهم التى لا ترقى الى الحد الادنى من المستوى الابداعى المطلوب و يجب ان يكون النقد نقدا متزنا موضوعيا لا شبهة مجاملة فيه ، نقد يساهم في بناء الوعي الحقيقي، و يقدم تقييما حقيقيا للعمل الادبى او الفنى و الا يكون مجرد أحكام انطباعية انفعالية عابرة. و لنا وقفة اخرى مع النقد ان شاء الله .