الأربعاء 30 أبريل 2025 06:27 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : #أبيات_من _الشعر _أتأملها

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

إكتفاءاً من التعليق على الأحداث الجارية والأخبار المحبطة ومتابعة تريندات السخف والمسخ من كل نوع. وبعيداً عن السياسة والحرب وكرة القدم، ولجان ومؤتمرات تعديل المايلة في الدراما والإعلام، وبعيداً بلطجة ترامب أو شهادات وزير التعليم وفضائح مدارسه، أو التهكم من سعر البطيخ..

أهرب بعقلي إلى هواية مفضلة، وهي تأمل أشعار وأقوال أدباء ومفكرون وفلاسفة، مروّا عبر تلك الحياة الفانية إلى خلود من نوع آخر. وكما عبر عن هذه النظرة أمير الشعراء أحمد شوقي بك.

الناس صنفان؛ موتى في حياتهم
وآخرون ببطن الأرض أحياء

وعلى أهمية هذا البيت إلا أنني سوف أعرض ثلاثة أبيات على لسان شاعر عربي عاش في العصر العباسي. كانت له منزلة عالية لدى الخلفاء، خاصة هارون الرشيد. كان شعره غزيراً، بعيداً عن التكلف. ونظم كثيراً من الحكم والأمثال. ومن ممن طقطق الشعر الأبيض رأسه لم يتندر على نفسه قائلاً لمن حوله:

ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبره بما فعل المشيب

وهو أول من أخضع الشعر العربي للفلسفة. وإتخذ لنفسه لغة سهلة أقرب إلى لغة الحياة اليومية. خرج عن الأساليب التقليدية في نظم الشعر وغلب عليه التشاؤم في شعره، ومثال ذلك:

كم زمان بكيت فيه فلما
صرت في غيره بكيت عليه.

والدليل على صدق هذا البيت أننا أبناء الأجيال الأكبر سناً بالفعل بكينا من منغصات كثيرة وتحديات جمة في زمانٍ مضى وولي، وها نحن الآن نحن إلى ذاك الزمان وننعته بأجمل الصفات ونجتر ما مضى معه من أسعد الذكريات، ونبكي ونتباكي عليه،أكثر مما بكينا منه.

شاعرنا هو: "إسماعيل بن القاسم بن سُويد العنزي أبو إسحاق،المولود سنة ٧٤٧م - ١٣٠ هجرية
. اشتهر بلقب أطلقه عليه الخليفة المهدي غلب على اسمه الحقيقي ويعرف به. وهو لقب (أبو العتاهية)

وأبو العتاهية كنية غلبت عليه لما عرف به في شبابه من مجون، وقيل أطلقها عليه الخليفة المهدي بقوله: «أَراك مُتَخلِّطاً مُتَعتِّهاً»، وقيل لحبه المجون والخلاعة في أوائل حياته، ثم كف عن ذلك ومال إلى التنسك والزهد، وانصرف عن ملذات الدنيا والحياة، وشغل بخواطر الموت، ودعا الناس إلى التزوّد من دار الفناء إلى دار البقاء
ولعل من أشهر الأمثال التي صاغها في شطر من أحد أبيات هو قائلها:

"أذل الحرص أعناق الرجال"

وقد أكتفي بقول قيل عنه من أهل زمانه مستشهداً بأبيات له:

عن رجاء بن سلمة قال: قلتُ لِسَلم الخاسر: مَن أشعر النَّاس؟ قال: «إن شئتَ أخبرتكَ بأشعر الجنِّ والإنس! فقلت: مَن؟ قال: أبو العتاهية». وأنشدني له:

سكنٌ يبقى لها سكَنُ
ما بهذا يؤذِنُ الزَّمنُ

نحنُ في دارٍ يُخبِّرنا
عن بَلاها ناطقٌ لَسِنُ

دارُ سوءٍ لم يَدُم فرحٌ
لامرئٍ فيها ولا حزَنُ

في سبيل الله أنفُسُنا
كلُّنا بالموتِ مُرتَهَنُ

كلُّ نفسٍ عند مِيتَتِها
حظُّها مِن مالِها الكَفَنُ

إنَّ مالَ المرء ليس له
منهُ إلا ذِكرُه الحسَنُ

رحم الله أبو العتاهية