الخميس 21 نوفمبر 2024 12:23 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

حوارات

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم ، يحاور الدكتورة بديعة الطملاوي ، في قضايا العنف الأسري .

الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم
الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم

لا يخفي أن الأسرة - بوصفها مؤسسة إسلامية إعلامية وتربوية واجتماعية - كانت موضع اهتمام الناس منذ أمد طويل ، وجعلت لها الشريعة موقعا مركزيا ودورا محوريا .

إن هذه الأسرة المكونة من عناصر متعددة ترجع في أصلها إلي عنصرين أساسيين الذكر والأنثى. والأنوثة والذكورة من عطاء الربوبية ، وهذه العطاءات منحة إلهية تستدعي معانقة المنحة الثانية ، وهي المنهج الذي يحدد لهذين العنصرين الأساسين الوجهة المطلوبة ، لإنجاز الفعل الحضاري في الزمان والمكان المطلوبين ، ولذلك تساءل كل الأفكار التي جنحت إلي إلغاء إحدى المنحتين ، من خلال إفرازات ما أنتجته الإلغاءات النمطية لإحدى المنحتين ، يساءل هذا الفكر كذلك علي مستوي إلغاء الذكورة أو إلغاء الأنوثة .

إن وأد الأنثي الحضاري وجعل الغلبة والهيمنة والتأطير الشامل والأحادي للذكورة ، فكر منتقد ، ومرفوض ، ومازالت الشريعة تنكره وتعلي من شأن آخر هو شأن الإنسان ، كما أن موجة إعلاء وهيمنة الأنوثة لها خطورتها حيث ألغت جانبا مهما في الأسرة وفي التكوين الإنساني هو جانب الذكورة ، _ ومن هنا بدأ التصادم ، وبدأ العنف _ ومن ثم كان لابد من طرح سؤال جوهري ومنهجي، ماهي المرجعية التي يمكن أن نستند إليها ولا يمكن أن تتهم بالانحياز للذكورة أو الأنوثة ، هل من مصدر متجاوز للذكورة والأنوثة معا لصالح مشترك بينهما هو الإنسان ؟

دعوني استضيف لحضراتكم أ.د/ بديعة على أحمد الطملاوي ، أستاذ الفقه المقارن ، والعميد السابق لكلية الدراسات

الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية لعلها ترشدنا إلي هذا المصدر .

فقالت :

ما من شك أن الفكر العاقل والمنطق السليم يقتضي البحث عن هذه المرجعية ، وتحاول البشرية في مختلف عصورها وعلي كل مستوياتها أن ترقي إلي قانون وتشريع منهجي يتجاوز ضغط الأنوثة أو إكراه الذكورة ، ولكنها لن تستطيع إلي ذلك سبيلا ، لأن الذي ينتج المؤطر لحركة الأنوثة والذكورة إما أن يكون ذكورا فيطغي جانبها الذكوري ، وإما أن يكون مصدره مجموعة من الناشطات ، فيطغي جانب الأنوثة ، ومن ثم ندور في حلقة مفرغة .

ولا سبيل لدي التفكير العاقل إلا طريق واحد هو إسناد الأمر إلي جهة محايدة ، جهة راشدة فعلا ، من صلاحياتها وضع منهج يؤطر حركة العنصرين الأساسين الذكر والأنثى، ولا نملك إلا مصدرا واحدا وهو الله خالق الذكر والأنثى ، فيرشدنا من خلال كتابه الذي أنزله علي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، فيرتاح الإنسان ويطمئن إلي هذا المستند ، ليس من باب الإيمان والعاطفة فقط ، بل هذا ما يقتضيه العقل وتتبع حركات التناقض الفكري عبر مختلف العصور

# يرجي التفضل بيان مظاهر اهتمام الإسلام بالأسرة ؟

لقد اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً كبيراً ، وحرص على استقرارها ، باعتبارها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع ، لذا تعددت النصوص الشرعية التي تحض على أهمية الأسرة ، ومنها على سبيل المثال لا الحصر : قوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ، واحِدَةٍ، وخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا ونِسَاءً واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ والْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )) "آية 1 من سورة النشاء"

وقال تعالى في معرض الحث على الزواج : ((وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ )) آية "32 من سورة النور وقال عز من قائل في بيان وصف عقد النكاح بأنه الميثاق الغليظ ((وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا)) "آية 21 من سورة النساء" ثم حث الله تعالى الزوجين على المودة والرحمة فقال تعالي : ((وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) "آية 21 من سورة الروم" .

وشدد الإسلام على ضرورة التعامل بالحسنى فقال عز وجل :(( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)) "آية 19 من سورة النساء"

ونهى الله تعالى عضل المرأة وظلمها وجعلها معلقة لا هي متزوجة ولا مطلقة فقال عز من قائل ((فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ)) "آية 231 من سورة البقرة" وجعل القوامة للرجال في إدارة الأسرة ورعايتها والإنفاق عليها فقال : ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)) " آية 34 من سورة النساء".

وبين تعالى أن الإنفاق على الأسرة مسئولية الزوج فقال تعالى : ((لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ ۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)) "آية 7 الطلاق".

أوجب الإسلام على الوالدين حسن رعاية الأولاد والاهتمام بهم وتعليمهم فقال : " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ، الأمام راع ومسؤول عن رعيته ، والرجل راع في أهله وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ، ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته ، كلكم راع ومسؤول عن رعيته" وأوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بالزوجة خيراً فقال : "استوصوا بالنساء خيراً ، فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج ، وإن أعوج شىء في الضلع أعلاه ، فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء خيراً " , وقال : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى "

# ما هي أسباب انتشار العنف الأسري وكيف يمكن مواجهته ؟

للعنف الأسرى كثير من الأسباب منها :

1-ضعف الوازع الديني لدى الأبوين والبعد عن الله سبحانه وتعالى والتجرأ على المعاصي ، وترك الفرائض ، يورث العنف الأسري ، لا سيما إذا كان بالأسرة أولاد فقد أثبتت الدراسات أن الطفل الذي يتعرض للعنف يكون أكثر ميلاً لاستخدام العنف عن غيره.

2-المشكلات الاقتصادية والفقر والبطالة وما يترتب على ذلك من عجز الزوج عن الإنفاق على أسرته.

3-الانحراف الأخلاقي وشرب المخدرات يفقد الأبوين والأولاد والأسرة بأكملها توازنها ويؤدي إلى خلل في العلاقة الأسرية ، وربما أدى إلى ارتكاب جرائم بين الأسرة أو خارجها إذا لم يقم المجتمع بدوره الفعال حيال هذه الظاهرة.

4-الشعور الدائم بالإحباط ، وضعف الثقة بالنفس ، وعدم القدرة على مواجهة المشاكل والاحساس بفقدان الأمن ، والاضطراب الانفعالي والنفسي ، ومشاعر الاضطهاد والاحساس بالظلم ، وفقد الحب والرعاية والتوجه والاهتمام والاحتواء ، وفقد السيطرة على الانفعالات عن الغضب ، ومصاحبة رفقاء السوء تحت غفلة وانشغال الأبوين بمشاكلها وعلاقاتها المفككة ، أو انشغالهما بتوفير لقمة العيش ، وانقطاع أحد الأبوين أو هما معاً من متابعة الأولاد ، لسفرهما أو سفر أحدهما ، كثرة الإنجاب مع عدم القدرة على توفير متطلبات الحياة.

5-الأمية والجهل وعدم الحصول على فرص التعليم.

6-القسوة الزائدة في التعامل مع الأبناء أو التدليل الزائد.

7-انتشار أفلام العنف والعري ، وعدم وضع قوانين تجرم من يقوم بأعمال مخلة بالعرف والمجتمع.

8-مكان النشأة حيث تعاني بعض الأسر في المجتمعات العشوائية ، من زيادة معدلات التحرش والجريمة ، والعنف الجسدي، وانتشار الألفاظ النابية.

وقد أدى انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) إلى زيادة العنف الأسري نتيجة للعزلة والحجز المنزلي ما دفع منظمة الصحة العالمية إلى إصدار تقرير يوضح أسباب زيادة العنف الأسري خلال هذه الفترة.

ويذكر دور كل من الحكومات والمؤسسات الصحية والهيئات الطبية والجمعيات الإنسانية وأفراد المجتمع ، ويشير التقرير إلى أنه قبل انتشار الفيروس ، كانت واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الأسري ، ولكن الضغوط التي سببها انتشار الفيروس أدت إلى زيادة هذه النسبة إلى الضعف.

# كيف يمكن معالجة ظاهرة العنف الأسري؟

بزيادة الثقافة التي يكتسبها الآباء لتربية الأبناء بالطريقة الصحيحة تحت مظلة الدين دون تطرف أو غلو.

-تفعيل الوعي والإرشاد في المدراس والجامعات لمنع العنف بين الطلاب بعضهم البعض.

-عقد الندوات والمؤتمرات التي تتحدث عن الروابط الأسرية وتحريم العنف بكل أشكاله.

-رقابة الأهل للأولاد في البيت والمدرسة ومعرفة أصدقائهم وانتمائهم.

ولا يغفل أهمية دور وسائل الإعلام المختلفة في التوعية بخطورة العنف.

ضرورة الرجوع إلى الطبيب النفسي أو استشاري العلاقات الأسرية عند تفاقم الأمر بين الزوجين ، حيث يؤكد أساتذة الطب النفسي أن ظواهر العنف الأسري في بعض الأسر تكشف عن نفوس متوترة ، وعن علاقات أسرية سيئة لذا لابد من التدخل السريع لحل مشكلة حلاً عادلاً فرضياً لكل الأطراف بعد حدوثها حتى لا تتراكم الخلافات ، وتزرع القسوة في نفوس أفراد الأسرة.

تفعيل الحوار بين الأسر ، فالأزواج والزوجات والأبناء يعيشون في عزلة ساهمت فيها وسائل التواصل الحديثة ، فيكونون في منزل واحد ومع ذلك يتبادلون الرسائل فيما بينهم فينعدم الحوار وتفقد الأسرة الدفء والتقارب وهذه بيئة لخلق العنف والتوتر.

# ماهي الآثار السلبية للعنف الأسري ؟

يؤدي العنف الأسري إلى كثير من الآثار السلبية سواء من الناحية النفسية أو الجسدية ، على الأسرة والمجتمع.

ومنها الشعور بالقلق والاضطراب ، والاكتئاب والعزلة ، وفقدان الثقة بالنفس ، واللامبالاه وعدم الشعور بالذنب ، أما من الناحية الجسدية ، فيؤدي العنف إلى اضطراب النوم والقلق وفقدان الشهية والرغبة في الحياة وفقدان الأمل ، ومن الآثار السلبية أيضاً التفكك الأسري نتيجة طلاق الزوجين ، أو سفر الأب وغيابه عن الأسرة فترة طويلة ، فيؤدي ذلك إلى تمزق الروابط العاطفية بين أفراد الأسرة.

# ما سبل الوقاية من العنف الأسري؟

١-من الضروري نشر الوعي الأسري وأهمية التوافق والتفاهم بين أفراد الأسرة ، والاتفاق على نهج تربوي واضح بين الوالدين ، وإيجاد نوع من التوازن الممكن بين العطف والشدة ، وبين الحب والحزم ، وبين الحرية والتوجيه ، والأهم في كل ذلك التفاهم بين الزوجين ، فالعلاقة الزوجية لابد أن تقوم على الود والاحترام وذلك يقول الله تعالى : ((وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) آية "21 من سورة الروم".

وهذه هي النتيجة الحتمية للاختيار المناسب والتكافئ بين الزوجين ، وفي ذلك يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

٢.التثقيف المبكر للزوجين قبل الزواج ، ومنع زواج القاصرات ، وليعرف كل من الزوجين ما له من حقوق وما عليه من واجبات ، والتأكيد على أن للمرأة حقوق يجب الحفاظ عليها وعدم إهدار كرامتها فالمرأة هي نصف المجتمع وهي السبب في وجود النصف الآخر فقال تعالي : ((وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ)) البقرة "228".

٣.-على المؤسسات الدينية نشر مفهوم الترابط الأسري وضرورة نبذ العنف سواء بين الزوجين أو بين الأسرة والأولاد ، وبيان كيف أن جميع الأديان تحترم المرأة وتقدر دورها.

06a3fc6fcb01abc3711ac1709fa719f9.jpg