الأربعاء 11 سبتمبر 2024 06:02 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الباحثة رانيا عاطف تكتب : إلى المدعين أنها أصبحت غير ملائمة لهذا العصر

الباحثة رانيا عاطف
الباحثة رانيا عاطف

تزامنًا مع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي يوافق 18 ديسمبر من كل عام وانطلاقًا من كوننا لسنا بحاجة للحديث عن محاسن لغتنا العربية، جاءت هذه الأسطر كرسالة إلى المدعين أن لغتنا العربية هذه أصبحت غير ملائمة لهذا العصر، إذ أنها لم تكن أبدًا مجرد أداة للتواصل بين متحدثيها فحسب، بل كانت لغتنا مثالًا صادقًا لما يمكن أن يكون عليه الفن الراقي الهادف، متمثلًا ذلك في المعلقات، وهي تلك القصائد المُحكمة النسج جيدة المعنى التي اختيرت من بين القصائد الجاهلية لتكون مثالاً يحتذى ونهجاً يتبع، وقد عرف الناس قدر هذه المعلقات وقيمتها فقدموها على غيرها من القصائد الأخرى، وجعلوا شعراءها أئمة للشعراء سواء في العصر الجاهلي أو حتى فيما تبعه من عصور؛ وذلك لعلو قيمتها وسمو مكانتها.

ويعد أشهر شعراء المعلقات في العصر الجاهلي الذين أبدعوا وتركوا تراثًا يحتذى إلى يومنا هذا هم: زهير بن أبي سُلمى، لبيد بن ربيعة العامري، الحارث بن حلزة، عنترة بن شداد، امرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وقد كمنت قيمتها الرائدة في أنها تعد تراثًا أدبيًا زاخرًا بين أيدينا الآن، ففي مفرداتها نجد سجلًا لأخلاق أهلها، وعاداتهم، وتقاليدهم، ونشاطهم الفكري والأدبي، فكم من عادات عربية أصيلة عرفناها من خلال تراثنا اللغوي! سواء أكان ذلك التراث شعرًا أو نثرًا، حيث نجد شعراء وأدباء العرب تارة يسجلون انتصاراتهم في حروبهم تباهيًا وتفاخرًا بما حققوه من انتصار على العدو، وتارة أخرى يتحدثون عن صفاتهم من كرم وشجاعة ووفاء بالعهد وغيرها من مكارم الأخلاق التي ظهرت جلية من خلال تراثنا الأدبي، كما ذهبوا لوصف ما حياتهم وأدواتهم مما أظهر لنا الأثر البالغ لبيئة العرب وظروفهم في تدعيم أفكارهم وتنمية هذه الصفات لديهم مثل وصفهم لخيولهم وسيوفهم ولأجواء معاركهم وغير ذلك، مما سهل علينا إدراك الصورة التي كانت عليها الحياة في فترة زمنية معينة.

بالتأكيد لم تقتصر قيمة اللغة العربية والاهتمام بها على العصر الجاهلي فحسب بل ازدادت قيمتها وتضاعفت عندما نزل القرآن الكريم بها ليزيدها تشريفًا وسموًا، فهي خالدة بالقرآن إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكانت السنة النبوية الشريفة التي نُطقت ودُونت بها تأكيدًا واضحًا على أهميتها وتشريفًا آخر لها.

إذًا فمن غير المنطقي أن نجد أناسًا ينظرون إليها على أنها لغة قديمة لا تواكب ثقافة العصر، فنجدهم يتجردون منها ويتخلون عنها، بل ويرون في تجردهم منها تماشيًا مع روح العصر، وهم لا يعلمون أن العرب عندما تمسكوا بلغتهم وأعملوا عقولهم استطاعوا بناء حضارة عربية سادت العالم أجمع في الوقت الذي كان فيه الغرب غارقًا في بحور الجهل والظلام.

فلم تكن أبدًا لغتنا العربية مصدرًا للجمود الفكري أو التأخر الحضاري، بل كانت ومازالت وستظل أجمل وأرقى وأقيم اللغات على الإطلاق، وهى جزء من هويتنا العربية التي يعد التخلي عنها تفريطًا في هويتنا وثقافتنا العربية الأصيلة، وهي مصدر فخرنا نحن العرب، فلا يقدر قيمتها إلا كل ذي فكر راقي.

وحتى في ظل هذا التقدم الثقافي الهائل الذي يشهده العالم الآن لم تقف لغتنا العربية عائقة أو مانعة لنا من مواكبة هذا التقدم بشتى صوره ومسايرة تلك التطورات المتلاحقة التي طرأت على مجتمعنا اليوم، بل نجدها متجددة صالحة لكل زمان، لذلك فنحن لسنا بحاجة إلى يوم واحد من كل عام للاحتفال بها، بل نحن في أمس الحاجة إلى التمسك بها والحفاظ عليها والحرص على تعلمها، فهي بحر زاخر يجذب محبيه إليه، وهى لغة باقية ما بقي الزمان، راقية تجذب الأذهان.

فسبحان من مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِناً وجَعَلَ الجَمالَ وَسَرَّهُ في الضاد.