الأحد 15 سبتمبر 2024 12:39 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الباحثة رانيا عاطف تكتب : الذكاء الاصطناعي... (ما له وما عليه)

الباحثة رانيا عاطف
الباحثة رانيا عاطف

لا شك أن العالم الآن يعيش مرحلة فارقة في تاريخه، إذ أنه يقف عند حقبة علمية جديدة، حيث تعمل الثورة التكنولوجية على تغيير أنماط حياتنا بسرعة هائلة، مما يغير بشكل كبير الطرق التي نعمل ونتعلم بها، وحتى تلك التي نعيش بها سوياً، والتي من خلالها نحاول دائمًا مواكبة التطورات المتلاحقة للتقدم التكنولوجي التي أصبحت واقعًا تفرض نفسها علينا اليوم بالشكل الذي لا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه، وقد كانت من أكثر نواتج هذا التقدم التكنولوجي أهمية وفي مقدمتها هذه التطورات المتلاحقة التي يشهدها عالم الذكاء الاصطناعي، إذ يمر الذكاء الاصطناعي بنمو هائل مما يؤدي إلى ظهور تطبيقات جديدة في عدد متزايد من القطاعات، بما في ذلك الأمن والبيئة والبحث العلمي والصحة والثقافة والإعلام وغير ذلك من القطاعات الأخرى، إلى جانب الاستخدام المتزايد التعقيد للبيانات الضخمة التي تحويها تطبيقات الذكاء الاصطناعي نفسها.

يعد الذكاء الاصطناعي الحدود الجديدة للإنسانية، إذ أنه بمجرد عبور العالم هذه الحدود، سيؤدي الذكاء الاصطناعي إلى ظهور شكل جديد من أشكال الحضارة الإنسانية، والذكاء الاصطناعي هنا يتشابه مع غيره من نواتج التقدم التكنولوجي إذ أنه جاء حاملًا في طياته مجموعة من الإيجابيات التي يمكن للإنسان الاستفادة منها في حياته، حيث يتم بالفعل استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال البحث العلمي في جميع التخصصات على نطاق واسع، فعلى سبيل المثال، يتم استخدام بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العلوم، لاسيما في البرامج البيئية والبحث تحت الماء، ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في إيجاد فرص هائلة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، كما تعتمد الاتصالات والمعلومات أيضًا بشكل مباشر على هذا التقدم المحرز في ميدان الذكاء الاصطناعي.

على الرغم من كثرة تلك الجوانب الإيجابية التي انطوت عليها تطبيقات الذكاء الاصطناعي فقد جاءت في الآن نفسه متضمنة بعض السلبيات التي تمثل خطرًا كبيرًا على البشرية جمعاء، حيث أثار التوسع في استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي وتطويرها بشكل متسارع الكثير من القضايا الأخلاقية الكبرى، إذ كيف يمكننا التأكد من أن هذه الخوارزميات لا تنتهك حقوق الإنسان الأساسية من الخصوصية وسرية البيانات وحرية الاختيار وحرية التعبير؟، هل يمكن ضمان حرية التصرف عندما تكون رغباتنا متوقعة وأفعالنا موجهة؟، وهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد البشر على الوصول إلى أعلى درجة من التقدم التكنولوجي المنشود مع الحفاظ على حقوقهم وحريتهم؟ وهل مع تطور أنظمة الذكاء الاصطناعي يمكن أن يتحول البشر أنفسهم –في حالة إنتاج أجهزة أذكى من منتجيها- إلى أدوات موجهة ومنفذة للأوامر من قبل أجهزة الذكاء الاصطناعي؟ وهل السبيل الوحيد للبقاء بمأمن من تهديدات أنظمة الذكاء الاصطناعي للبشر هو عدم إنتاجها أو تطويرها أو حتى التعامل معها؟، هذا الكم من الأسئلة وأكثر منه أصبح يطرح نفسه الآن على أذهاننا وعلى موائد البحث والدراسة يطلب إجابات مقنعة ومرضية لهذا العقل البشري الذي ميز الله –سبحانه وتعالى- به الإنسان والتي حثت على احترامه جميع الأديان السماوية، فما أرى الذكاء الاصطناعي وغيره من نواتج التقدم التكنولوجي في النهاية إلا وسيلة لخدمة الإنسان، وتذليل الصعاب له؛ لذلك فإن المبدأ التوجيهي الأول للذكاء الاصطناعي لا يكمن ابدًا في أن يحل هذا الذكاء الاصطناعي محل الذكاء البشري، وإنما يجب علينا أن نسعى إلى إنتاجه والتعامل معه من خلال نهج إنساني قائم على القيم والمبادئ الأخلاقية التي يجب التمسك بها، وفي مقدمتها احترام حقوق الإنسان، واحترام آدميته من حيث كونه إنسانًا، فلابد من وجود سقف لتلك الأنظمة الذكية التي قد تفوق –في بعض الأحيان- الذكاء البشري والتي بين ليلة وضحاها يمكن أن تهيمن على العالم وتسطر على منتجها ومطورها نفسه وتحوله إلى مجرد أداة لا إرادة له ولا حرية، إذن لابد من وقف إنتاج أي نتاج يفوق قدرات البشر وذكائهم لنظل بمأمن من مخاطر لا نعلم نهايتها أقلها خطرًا يمكن أن يتمثل في القضاء على البشرية بأكملها.

# باحثة ماجستير فلسفة بكلية الآداب، جامعة المنيا.