حمادة إمام يكشف : لغز العقرب الفلسطيني عمر البلبيسي... مهندس البرمجيات المطلوب الاول فى إسرائيل
الجارديان المصريةفي 28 سبتمبر 2022، قام تشكيل عصابي ماليزي يعمل لحساب الموساد الإسرائيلي داخل الأراضي الماليزية باختطاف شاب فلسطيني من وسط العاصمة كوالالمبور وقام بنقله إلى منزل في أطراف العاصمة، واستجوابه من قبل رجال الموساد في تل أبيب عبر تقنية الفيديو كول، قبل أن تتمكن المخابرات الماليزية من الوصول إلى الخاطفين وتحريره والذي غادر ماليزيا بعد الحادث مباشرة!!.
كان السؤال وقتها من هو الرهينة الذي حاولت إسرائيل خطفه عبر عناصرها الماليزيين؟ وكيف أخفق الموساد؟ ولماذا غادر الرهينة بعد تحريره في ماليزيا لمكان مجهول؟ ولماذا نقلت إسرائيل حربها ضد المقاومة الفلسطينية لخارج الحدود؟
الصدفة وحدها كشفت سرَّ الرهينة الذي حرَّرته الشرطة الماليزية.
هو الباحث الفلسطيني عمر البلبيسي الذي يعمل مطور برامج أندرويد من قطاع غزة.
والحاصل على درجة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر من الجامعة الإسلامية بغزة، والذي بدأ عمله في التطوير والبرمجة عام 2011، وفي عام 2013 بدأ في تطوير تطبيقات أندرويد، بالإضافة لعمله مدرسًا في عدد من الأكاديميات لتدريب المبرمجين، خاصة في غزة.
في عام 2020 غادر قطاع غزة إلى إسطنبول ونجح في إنشاء وحدة إلكترونية «سيبرانية» استخبارية، تعمل وفق تعليمات قيادة حماس في غزة.
قبل الحادث بـ 3 أسابيع وصل لماليزيا، وظهرت عبر صفحته إشارات لأماكن مختلفة في العاصمة الماليزية.
لم تكن شخصية الرهينة هي السرَّ الأهمَّ الذي كشفت عنه العملية واهتمت بها الصحف وإنما الأهم كان سر مخاوف قادة الموساد من التطور الذي وصل إليه العقل الفلسطيني، المتمثل في شخص عمر البلبيسي.
بعد فشل العملية والتي سمتها الموساد عملية «العقرب» بدأ سيل من المعلومات ينهمر، وبدأت العديد من الأسئلة التي تبحث عن إجابات تُطرح بكل أنواع علامات الاستفهام من؟ كيف؟ ومتى؟ وأين؟ وأهمها كان لماذا تطارد الموساد العقول الفلسطينية؟
تراوحت الإجابات ما بين أن مخاوف الاحتلال الإسرائيلي تأتي من القدرات الإلكترونية لحركة حماس، فقد زعم يوني بن مناحيم الضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)، في موقع «إسرائيل تايم»، أن «المنظومة الإلكترونية لدى حماس تتجهز للعمل ضد البنى المدنية والأمنية الإسرائيلية في الحرب القادمة؛ حيث يعمل نظامها السيبراني لاختراق أجهزة «أندرويد» لدى الإسرائيليين، مما دفع الموساد لاختطافه واستجوابه عن بُعد من خلال مكالمة فيديو، دون التواجد الفعلي لعملاء الموساد في ماليزيا نفسها، ولكن من خلال عملاء محليين عملوا لصالحه، وهي طريقة يستخدمها الموساد بالفعل في بعض عملياته السرية في إيران».
وكشف أن «نظام حماس السيبراني يشرف عليه سلسلة من المهندسين المحترفين، وتشمل إنجازاته تطوير النظام السيبراني وتطوير برمجيات للحرب الإلكترونية، ومن المهام التي قام بها قطع الكهرباء عن التجمعات الاستيطانية المحيطة بقطاع غزة، وضرب العشرات من الخوادم والمواقع الإسرائيلية، والتسلل إلى الهواتف وأجهزة الكمبيوتر لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي، واقتحام الكاميرات الأمنية في منشآته الأمنية، والتشويش على تردداته، واقتحام هاتف مدير الصناعات الفضائية، واختراق أجهزة الكمبيوتر لكبرى الشركات، واختراق القنوات التلفزيونية الإسرائيلية».
وتكشف التقارير أن «حماس» استثمرت خلال العقد الأخير الكثير من المقدرات المالية والمعدات لإقامة هذه المنظومة التقنية، في محاولة منها لجمع معلومات استخباراتية عن جيش الاحتلال وتبدو «حماس» وقد نجحت في نقل المعركة مع الاحتلال إلى ساحات أخرى ومنها ساحة ماليزيا ولكن لماذا ماليزيا؟
........
أصبحت ماليزيا وجهة تعليمية مناسبة لإنشاء كوادر علمية وأكاديمية فلسطينية؛ حيث يعيش الآن في ماليزيا أكثر من حوالي 3 آلاف طالب فلسطيني، ويعمل الكثيرون منهم في منظمات وجمعيات تابعة لحركة حماس.
بالإضافة لذلك، يمتلك الفلسطينيون هناك حضورًا بارزًا؛ حيث يتلقى الفلسطينيون دعمًا كبيرًا في ماليزيا من مسئولين في الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، والذي كان يحضر مناسبات عديدة تنظمها الجمعيات الفلسطينية هناك.
ولدى الفلسطينيين عدة جمعيات تصل إلى حوالي سبع جمعيات تقريبًا، ويزعج هذا الحضور والتفاعل الثقافي والسياسي الفلسطيني الاحتلال الإسرائيلي، مما دفع وزارة الدفاع الإسرائيلية في عام 2020 إلى تصنيف المركز الثقافي الفلسطيني في ماليزيا على أنه «منظمة إرهابية» مما يعطي الحكومة الإسرائيلية المبرر القانوني لملاحقة أي شخص تشك أن له علاقة مع هذه المنظمة وفاعليتها.
ويعتبر الاحتلال المركز واحدًا من المنظمات التي تدعم «حماس» في جنوب شرق آسيا، مما يوضح مدى تواجد ونشاط الموساد الإسرائيلي داخل الأراضي الماليزية.
ويتواجد عدد كبير من الفلسطينيين في الخارج في بلدان أوروبية، مثل بريطانيا وفرنسا والسويد وأيضا ماليزيا، ولم يخف الاحتلال وأجهزته الأمنية نواياها عن ملاحقة «حماس» وأتباعها، فقد صرح من قبل مسئول أمني إسرائيلي: «لو اعتقد البعض أن بُعد ماليزيا يمنعنا من ملاحقة نشاط حماس هناك، فهو مخطئ».
عقب فشل محاولة الاختطاف الأخيرة نقل موقع «واي نت» الإسرائيلي عن وسائل إعلام ماليزية، أن العملية انتهت بطريقة مختلفة عن تلك التي خطط لها، وأنها احتوت على إخفاق عملياتي واضح بعد فشل تحديد هوية الشخص المطلوب اختطافه.
عملية اختطاف البلبيسي كشفت عن ضلوع خلية الموساد في التجسس على مواقع مهمة بالبلاد منها مطارات، فضلا عن اختراقها شركات إلكترونية حكومية، ولم تستبعد هذه المصادر وجود خلايا أخرى نشطة للموساد.
فيما قالت المصادر ذاتها إن الموساد استعان لتنفيذ العملية بعملاء ماليزيين كان قد دربهم في دول أوروبية.
ففي 18 أكتوبر 2022 أعلنت صحف ماليزية عن مسئولين قولهم بأن الموساد جنَّد خلية من 11 ماليزيًا على الأقل بهدف تعقب نشطاء فلسطينيين، تقودهم امرأة ماليزية في منتصف الثلاثينيات من عمرها، كان قد جندها الموساد، في 2018، وهي ذات السنة الذي اغتيل فيها العالم فادي البطش بماليزيا.
شكَّلت السيدة التي ترأست فرقة الخاطفين، فريقًا لمراقبة الفلسطينيين في ماليزيا، وكانت تتلقى حوالي 2000 يورو شهريًا من جهاز الموساد، وأنها كانت تضع أعينها لمراقبة واختطاف 6 فلسطينيين مقيمين في ماليزيا.
.......................
عقب تحرير عمر البلبيسي نشرت الصحف الماليزية تفاصيل العملية كاملة، وقالت: «إن فلسطينيين اثنين متخصصين في أنظمة البرمجة الإلكترونية والتكنولوجيا، كانا في طريقهما لركوب سيارتهما بعد أن تناولا العشاء في وسط العاصمة كوالالمبور، في حوالي الساعة العاشرة ليلا، قبل أن تتوجه صوبهم مركبة بيضاء، وينزل منها أربعة أشخاص؛ حيث وصلا إلى السائق وضربوه وسحبوه إلى المركبة التي كانت معهم وصرخوا في وجهه «رئيسنا يريد التحدث معك».
وقد حاول زميله مساعدته، لكن تم تحذيره بالابتعاد عن مكان الحادث، ليهرع على الفور إلى فندق قريب ويطلب المساعدة من الموظفين، وبعد أن اتضح له أن الخاطفين يعملون لصالح الموساد قام بتقديم بلاغ للشرطة بعد 40 دقيقة من الحدث.
تحركت سيارة الخاطفين من المكان بسرعة كبيرة، واقتادوا الشاب مقيدًا ومعصوب العينين إلى منزل معزول، وهناك جرى تكبيله، عندما داهمت الشرطة المنزل كان الاستجواب لا يزال مستمرًا. وعندما دخل عناصر الأمن الماليزي سمعوا رجالا إسرائيليين على الطرف الآخر من خط الهاتف وهم يستجوبون الضحية، وعندما فارتبك الجميع، وقال الإسرائيليون بصوت عالٍ: «مرحبًا، مرحبًا، ثم قطعوا الاتصال مباشرة!!».
وكشفت المخابرات الماليزية، خلال تحقيقها مع المتهمين، أن عددا من الفلسطينيين أيضا كانوا على قائمة الاستهداف، وهم من الأعضاء في الأوساط الأكاديمية في الجامعات المحلية، يحاضرون في التخصصات المهنية.
كما عثرت قوات الأمن الماليزية على ملفات شخصية كاملة للمستهدفين بحوزة أعضاء خلية الموساد، تشمل صورًا حديثة لهؤلاء الرجال وهم يمارسون روتين حياتهم اليومي، كما تم تحميل صور سياراتهم، إضافة لمعلومات عن أُسرهم وأطفالهم، وأن اختطافهم أو قتلهم يمكن أن يكون مجرد مسألة وقت.
عملية العالم عمر البلبيسي أو عملية «العقرب» كما سمتها المخابرات الإسرائيلية، لم تكن أولى عمليات الموساد أو آخرها فقد سبقها عمليات وسوف تليها عمليات أخرى، فالموساد لن يعلن توبته أو يتوقف عن نشاطته ولكنها تختلف عن سابقاتها فإنها تمثل الإخفاق الثالث في تاريخ الموساد منذ تأسيسه في الثلاثينيات من القرن العشرين.
...............................................................