دكتور كمال يونس يكتب : دكتور نبطشي
الجارديان المصريةقدم من بلدته الريفية جدا للالتحاق بكلية الطب بالمدينة ، شظف عيش هونته إقامته بالمدينة الجامعية ،نجح في إعدادي طب بالكاد بعد اجتيازه امتحانات دورا ثانيا في جميع المواد،لم يستطع الإقامة في المدينة الجامعية ، اقام في غرفة في أحد الأماكن الأكثر شعبية ،في بيت غالبية ساكنيه من العمال وبعض العاطلين، تجمعهم أخر الليل جلسات تدخين الحشيش، مستمعين إلى أغانى المطرب الشعبي عدوية ، لم يستطع إبداء اعتراضه على الضوضاء لضيق ذات اليد عن إيجاد البديل ، أحبت زميلة تسكن في حي راق ،عاملته في حدود الزمالة ، حاول مصارحتها بحبه بلطف نهرته ، عاش حزينا شاردا مهموما ، لم يسافر البلدة حتى في العطلات ، توفيرا للمصاريف ، حاول أن يجد عملا يستعين به على أعباء الحياة ،التحق بأعمال مرهقة بدنيا ،ونفسيا ، مالبث أن تركها ،دبر أحواله على المصروف الضئيل الذي كان يرسله أبوه ، توفت أمه فجأة ، تزوج أبوه فقاطعه، هام على وجهه شاردا ، متعاملا بأدب ولطف مع النسوة زوجات جيرانه، تسابقن لخدمته في غياب أزواجهن ، ورويدا رويدا صار فحلا لهن،ولم تستطع أيا منهن معايرة الأخرى، أغدقن عليه ببعض الأطعمة،وبعض الأموال القليلة من حين لأخر ،وصار يتخلف عن الذهاب إلى الكلية إلا نادرا ، فجأة سعل دما ،عرف أنه مصاب بالدرن ، عالجته إدارة الخدمات الطبية بكليته، شفي ، بحث عن مكان أخر ليسكن فيه ،أنظف وأهدأ، ، انتظم في كليته ،استرد صحته وعافيته ،نجح بالكاد عامين متتاليين ، ذات يوم دق الجيران باب غرفته ليساعدهم حيث تعاني أحد الجارات مغصا شديدا ،لبى نداءهم فإذا بها فتاة مليحة في مثل عمره أو أصغر قليلا ،شك أنها تعاني من التهاب الزائدة الدودية ،اصطحبها للمستشفى ،عاملها زملاؤه بعناية ،أجريت لها عملية استئصال الزائدة الدودية ، لم يقصر يوميا في الاطمئنان عليها ،دق الحب باب قلبيهما، فضحتهما تصرفاتهما ،اهتمامها المتبادل الزائد، علمت رقة حاله، رويدا رويدا تنامت علاقتهما ، لم تبخل عليه بالمال ، وحدتهما جمعتهما،خاصة وأنه فرت من أهلها لتعمل راقصة، تزوجها ، لم يستطع الانتظام في الدراسة ، رافقها في عملها بالكازينوهات والأفراح، جرفه التيار ،عمل نبطشيا بلغة أهل البلد مذيع أفراح يقدم فقراتها ،والمطربين والمطربات، سهر يومي لما بعد الفجر ،تدخين حشيش، كيف نفسه على التجاوز عن بعض التحرشات بزوجته ، تحسنت أحوالهما المادية، أقاما في شقة أحسنا تأثيثها، اشترى سيارة يذهب وزوجته لعملهما معا ،طال به الأمد في الكلية كل سنة ينجح فيها على مدى ثلاث سنوات، أحس أنه لابد له من إكمال دراسته ،تعاطف معه زملاؤه الذين أصبحوا معيدين ومدرسين مساعدين عملوا على إنجاحه ، تخرج بالفعل ،تأمل راتبه الضئيل وهو طبيب امتياز لم يتجاوز الأربعين جنيها ،فما كان يتحصل عليه في ليلة من عمله نبطشيا اضعاف أضعاف راتبه كطبيب، لم يستطع أن يجمع بين عمله كطبيب ،وسهره في الأفراح ،من سيثق به،وماسيتحصل عليه من عمله كطبيب لن يفي باحتياجاته المعيشية وزوجته، استمر في عمله بالفرقة ،لقبه زملاؤه في الفرقة دكتور نبطشي.