الكاتب الكبير طارق محمد حسين يكتب : المشروع الإثيوبي في القرن الأفريقي :
الجارديان المصريةأثارت المشاريع الأثيوبيّة في القرن الأفريقي عاصفة من ردود الفعل الغاضبة ،و أشعلت تجاذبًا إقليميًا حادًا يختصُ بمشروعها الجديد الطموح، المتمثّل باستئجار ميناء بربرة في إقليم أرض الصومال الانفصالي على شواطئ البحر الأحمر، أنّ المشروع يتضمّن إمكانيّة إنشاء منطقة تجارية ، وقاعدة عسكريّة بالإضافة إلى ممر برّي يتصل بالداخل الأثيوبي، وبهذا الشكل تكون أثيوبيا قد تجاوزت المشكلة التي عانت منها منذ انفصال إريتريا عنها، أي منذ أن تحوّلت إلى دولة حبيسة لا تملك شواطئ أو منافذ بحريّة علي البحر الأحمر، وفي مقابل تمرير هذا المشروع ستعلن أثيوبيا الاعتراف بإقليم أرض الصومال كجمهوريّة مستقلّة، وهو ما سيمثّل أوّل اعتراف رسميّ بهذه الجمهوريّة في العالم ، وكما كان متوقّعًا فقد أثارت الخطوة الأثيوبيّة عاصفة من الردود العربيّة والمصرية بصفة خاصة ، التي أخذت حد التلويح بالتصعيد الميداني ، والمعني الأوّل بهذه الخطوة كان بطبيعة الحال الصومال نفسها، التي تعتبر إقليم أرض الصومال الانفصالي جزءًا من أراضيها، والتي اعتبرت المشروع الأثيوبي “انتهاكًا لسيادتها”. وهكذا، كانت النتيجة الفوريّة للإعلان عن مشروع سحب السفير الصومالي من أثيوبيا، وتعهّد رئيس الوزراء الصومالي بالدفاع عن بلده ومنع انتهاك حدوده. غير أنّ الدول العربيّة المجاورة الأخرى امتلكت بدورها مخاوفها من الخطوة الأثيوبيّة، وأعلنت مصر المشروع الأثيوبي “خطوة أحاديّة ستزيد من حدّة التوتّر”، مستنكرًة تقويض عوامل الاستقرار في منطقة القرن الأفريقي، وفي نبرة حادة محذّرة من تداعيات المشروع، اعتبرت مصر أن المشروع الأثيوبي يهدد مصالح دول المنطقة ، القائمة على “التعامل مع الحكومات الشرعيّة المعترف بها دوليًا، دون غيرها من الكيانات”، وذلك في إشارة واضحة إلى تعاقد أثيوبيا مع إقليم انفصالي غير شرعي، ومنذ ذلك الوقت، لم يبتعد الموقف العربي عن التشديد على أهميّة احترام سيادة الصومال ووحدة أراضيها، بعيدًا عن أطر التعاون التي لا تحترم القواعد القانونيّة الصحيحة ، وهو ما أثمر عن عقد اجتماع طارئ لمجلس الجامعة العربيّة لمواجهة اعتداء أثيوبيا على سيادة الصومال ووحدة أراضيه ، وهو ما يطرح السؤال عن خلفيّة هذا الاتفاق الإقليمي النادر على مواجهة المشروع الأثيوبي ،من المهم أن نلتفت أولًا إلى أنّ حسابات الدول العربيّة التي تحرّكت سياسيًا ضد أثيوبيا تتجاوز مسألة التضامن مع الصومال كبلد عربي ،إذ أن مصر ترى في المشروع الأثيوبي تهديدًا لمصالحها الأمنيّة والاقتصاديّة ،فالنسبة لمصر يمثّل البحر الأحمر المدخل الطبيعي لقناة السويس، أبرز مصادر القوّة الجيوسياسيّة والاقتصاديّة التي تمتلكها القاهرة في الوقت الراهن، وبفعل هجمات الحوثيين علي مؤخرًا علي السفن المتجهة إلى إسرائيل والردود الأمريكية البريطانية ، مدي خطورة التوتّرات العسكريّة في البحر الأحمر على سلامة الملاحة البحريّة أولًا، وعلى الدور الذي تؤدّيه قناة السويس ثانيًا، كما على حجم العائدات التي تؤمّنها القناة لمصر ، لكلّ هذه الأسباب، تتوجّس مصر من منح أثيوبيا هذا المنفذ في منطقة البحر الأحمر، خصوصًا إذا شمل قاعدة عسكريّة بحريّة، بالإضافة إلى الميناء التجاري، فمشروع كهذا سيعني دخول أثيوبيا كلاعب أساسي مؤثّر على أمن الملاحة في البحر الأحمر، الذي يرتبط بشكلٍ وثيقٍ باعتبارات الأمن القومي والاقتصادي المصري وعلى أي حال، أصبح من المعلوم أن مصر تملك أساسًا ما يكفي من تجاذبات ونزاعات مع أثيوبيا، في العديد من الملفّات الإقليميّة، كمسألة سد النهضة، والدور الذي تضطلع به أثيوبيا في إطار الحرب الأهلية السودانيّة، وبهذا المعنى سيؤدّي الحضور العسكري الأثيوبي في منطقة البحر الأحمر إلى منح أثيوبيا أوراق ضغط إضافيّة، في مواجهة مصر، وفي سياق النزاعات القائمة بين الدولتين أصلًا ويُضاف إلى كلّ هذا، خشية مصر الدائمة من مراهنة الدول الغربيّة على الحضور الأثيوبي في منطقة القرن الأفريقي، كقوّة موازِنة في وجه القوّة الإقليميّة التي تمثّلها مصر، وبهذا المعنى يصبح عامل التأثير الأثيوبي أداة تسمح بالضغط على مصر في العديد من الملفّات الإقليميّة الأخرى، ومنها مثلًا ملف النزاع الفلسطيني الإسرائيلي ،ولذلك وبمعزل عن علاقة النظام المصري الإيجابيّة بمعظم الدول الغربيّة، إلا أن مصر تخشى من تقلّص قوّتها التفاوضيّة في المنطقة، بقدر ما تتنامى القوّة الإقليميّة التي تمثّلها أثيوبيا في المقابل وبالنسبة لدول الخليج العربيّة، وخصوصًا السعوديّة وقطر والكويت، فالبحر الأحمر يمثّل المسار بتصدير النفط والغاز العربيَّين إلى أوروبا وأميركا الشماليّة، وأيّ مس بأمن الملاحة في المنطقة، سيزيد من تكاليف شحن النفط والغاز بهذه الصورة تخشى الدول الخليجيّة من دخول أثيوبيا كطرفٍ جديدٍ مُحدد لمعادلات الأمن في منطقة البحر الأحمر، وخصوصًا بعدما تصاعد تأثير إيران وحلفائها الحوثيين في منطقة مضيق باب المندب. فامتلاك أثيوبيا هذا التأثير المباشر على أمن الملاحة في الإقليم، سيعطيها قوّة سياسيّة في مواجهة الدول الخليجية المصدرة للبترول والغاز المُسال ، وتدرك الدول الخليجيّة جيدًا أن أثيوبيا تملك طموحاتها السياسيّة الخاصّة، في وجه دول الجوار العربي