حكايات مصيرية
الكاتب الكبير الحسينى عبدالله يكتب : جبر الخواطر
الجارديان المصريةجبر الخواطر خلق إسلامي رفيع ثوابها جزيلا عند الله تعالى. ولعل حادثة تحويل القبلة إلى بيت لله الحرام بمكة المكرمة بعد ان ظل المسلمون طيلة العهد المكّي بعد فرض الصلاة في رحلة الاسراء والمعراج يتوجّهون في صلاتهم إلى المسجد الأقصى مسري النبي صلي الله علية وسلم امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى ، الذي أمر باستقباله وجعله قبلةً للصلاة. وفي تلك الأثناء كان رسول الله – – يمتثل للحكم الإلهي وفي فؤاده أمنية كبيرة طالما راودته، وتتمثّل في التوجّه إلى الكعبة بدلاً من المسجد الأقصى، وقد ذكر الله سبحانة وتعالي قصة تحويل القبلة وحب الرسول لذلك في قولة تعالي (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ )الاية (144) سورة البقرة
وهو ما يثبت بالدليل القاطع إن الله سبحانه وتعالى قد جبر خاطر النبي محمد صل الله عليه وسلم جبرا يرضى النبي
ولعل رجاء النبي صل الله عليه وسلم واستجابة الله له يأتي لعدة اسباب منها
إن بيت الله الحرام هو قبلة أبيه إبراهيم وهو أولى الناس به
، وأوّل بيتٍ وضع للناس، ولحرصه على أن تتميّز الأمة الإسلامية في عبادتها عن غيرها من الأمم التي حرّفت وبدّلت. ويدلّ على ذلك قول البراء بن عازب: " وكان يحب أن يوجّه إلى الكعبة ". رواه البخاري. وما كان لرسول الله – – أن يخالف أمر ربّه، بيد أنه استطاع الجمع بين رغبته في التوجّه إلى الكعبة وعدم مخالفة الأمر بالتوجّه إلى المسجد الأقصى بأن يصلّي أمام الكعبة ولكن متّجها إلى الشمال، كما يدلّ عليه الحديث الذي رواه ابن عباس حيث قال : " كان رسول الله - - يصلي وهو بمكة نحو المسجد الاقصى والكعبة بين يديه ". رواه أحمد
والحقيقة ان تحويل القبلة من الدلالات الواضحة علي عالمية الدعوة الإسلامية وتميز أمة الإسلام لقد كان صلى الله عليه وسلم متعلقا قلبه بالمسجد الحرام طوال مدة ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهراً بعد هجرته إلى المدينة المنورة.
عن البراء، رضي الله عنه ; أن النبي- صلى الله عليه وسلم- صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت، وأنه صلى أول صلاة صلاها، صلاة العصر، وصلى معه قوم. فخرج رجل ممن كان صلى معه، فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبل البيت.
لقد كان يكنه في صدره صلى الله عليه وسلم وكل ما كان منه هو النظر وتقليب وجهه في السماء انتظارا واشتياقا لمنة الله تعالى على هذه الأمة بإعلانها أنها الأمة المتميزة الخاتمة ذلك أن الله تعالى قد أخبر نبيه في مكة وقت معاندة المشركين له بقوله "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا "، وقوله "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا"، وقوله لما اتهموه باتباع أساطير الأولين "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفورا رحيما "، وقوله لما اتهموه بأنه يعلمه بشر "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ".سورة النحل الاية 103
كل هذه نصوص من القرآن الكريم نزلت في مكة المكرمة تشير إلى عالمية دعوة الإسلام ورسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه غير تابع، ودعوته ليست مقتصرة على قومه فقط كما كان من قبله من الأنبياء.