الأحد 8 سبتمبر 2024 04:12 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

ضاحى عمار يكتب : مصر من الماضي المجيد إلى الحاضر الصعب

الكاتب الكبير ضاحى عمار
الكاتب الكبير ضاحى عمار

مصر، بتراثها العريق وتاريخها الطويل، شهدت تحولات كبيرة في مكانتها على مدار العصور المختلفة، من الملكية إلى الجمهوريتين الأولى والثانية. يُعتبر الحديث عن مصر في الأربعينيات والستينيات والسبعينيات مرجعًا ضروريًا لفهم تطور البلاد ومكانتها الإقليمية والعالمية، وخاصة في ضوء تصريحات رئيس الوزراء الحالي التي أظهرت جهله بالماضي العريق لمصر

في فترة ما قبل الثورة عام 1952، كانت مصر ملكية دستورية تحت حكم الملك فاروق. في ذلك الوقت، كانت مصر تُعتبر واحدة من أغنى دول المنطقة، حيث كان الجنيه المصري يعادل حوالي خمسة دولارات أمريكية، ويستطيع شراء 15 ريال سعودي و3 جنيهات إسترلينية. كانت القاهرة والإسكندرية تمتلئ بالثقافة والحضارة، وشهدت البلاد ازدهارًا اقتصاديًا وثقافيًا كبيرًا.

لم يكن الازدهار مقتصرًا على الاقتصاد فقط، بل كان يشمل الثقافة والتعليم أيضًا. كان المصريون يفتخرون بمكانتهم العالية بين شعوب العالم، وكانت البلاد تتمتع ببنية تحتية قوية ونظام صحي وتعليمي متقدم. وقد كانت اليابان، التي أصبحت قوة اقتصادية عظمى لاحقًا، تأتي لتدرس النهضة المصرية وكيفية تحقيقها.

مع ثورة 23 يوليو 1952 وصعود جمال عبد الناصر إلى الحكم، دخلت مصر مرحلة جديدة من التغيير الجذري. ركزت الثورة على العدالة الاجتماعية، وتوزيع الأراضي، وتحرير الاقتصاد من السيطرة الأجنبية. أصبحت مصر قائدًا للحركات التحررية في العالم العربي وأفريقيا، وأسست حركة عدم الانحياز مع دول أخرى.

رغم التحديات الاقتصادية الكبيرة، بما في ذلك تأميم قناة السويس وتداعياتها، إلا أن عبد الناصر استطاع أن يجعل من مصر رمزًا للكرامة والسيادة الوطنية. كانت مصر تدعم الحركات التحررية وتقدم المساعدات للدول الأفريقية، وأصبحت القاهرة مركزًا للمؤتمرات الدولية والنقاشات السياسية.

مع وصول أنور السادات إلى الحكم بعد وفاة عبد الناصر في 1970، شهدت مصر تحولًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا. أطلق السادات سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي هدفت إلى تحرير الاقتصاد المصري من القيود الاشتراكية وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية. كانت هذه الخطوة جزءًا من رؤية السادات لتحسين الأوضاع الاقتصادية وجذب الاستثمارات لتطوير البنية التحتية والصناعة.

على الصعيد السياسي، وقع السادات معاهدة السلام مع إسرائيل في 1979، وهي خطوة أثارت جدلاً كبيرًا ولكنها أدت إلى استعادة سيناء وتحقيق استقرار نسبي في المنطقة.

في ضوء التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الحالي، إن صحت عنة و التي أظهرت عدم إلمامه بالتاريخ المصري العريق، يتبين حجم الفجوة بين الوعي الحالي بالماضي المجيد والمكانة التي كانت تحتلها مصر على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. لم يكن من المعقول أن ينسى رئيس الوزراء هذه الحقائق التاريخية ولا يبين بمكانة مصر وقوتها الاقتصادية السابقة.

كان الجنيه المصري رمزًا لقوة الاقتصاد، وكان بإمكانه شراء خمسة دولارات، 15 ريال سعودي، و3 جنيهات إسترلينية، وهذا يعكس قوة العملة الوطنية واستقرارها. كما كانت مصر تسهم في كسوة الكعبة، وتدير تكايا في مختلف أنحاء البلاد وخارجها، مما يدل على القوة الاقتصادية والثقافية.

مصر، التي كانت في الماضي منارة للعلم والحضارة، تحتاج اليوم إلى قادة يقدرون تاريخها ويعملون على إعادة إحياء قوتها ومكانتها. يجب أن تكون تصريحات القادة مبنية على الوعي الكامل بالماضي المجيد والعمل الجاد لتحقيق مستقبل أفضل. إن مصر كانت وستظل الحضن الدافئ الذي يحتمي فيه الجميع، ويجب علينا جميعًا أن نعمل جاهدين للحفاظ على هذا الإرث العريق وإعادة مصر إلى مكانتها الرائدة بين شعوب العالم.

ضاحى عمار مقالات ضاحى عمار مصر من الماضي المجيد إلى الحاضر الصعب الجارديان المصرية