الأحد 8 سبتمبر 2024 05:43 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

فنون وثقافة

الومضه 55(جزء ثان) ..

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز يكتب : حجر عثره.

الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز
الكاتب الكبير علاء عبدالعزيز

كان يحمل بؤجه من القماش كالخيمه علي أم رأسه ويسير بها في الحاره ينادي علي الفجل والجرجير" جرجير ياورور ، معانا الفجل البلدي والافرنجي وخضره المحشي"
يعاني بائع الجرجير في حِمله كثيرا خاصه وان الوقت هو وقت الظهيره وشمس اغسطس تخترق أعواد الفجل والجرجير محاوله إختراق نفوخه الذي كاد يشيط لولا ان استعان بأحد أبناء الحاره طالبا منه اقصاء خيمته الغير قادره علي حمايته امام احد مداخل البيوت التي يسري منها بعض التيارات البارده بعد مسح السلالم .
افترش بائع الجرجير الارض وبجانبه بؤجته تحمل أنواع مختلفه من الخُضره ، بعد دقائق صدر صوت أحد النساء من الاعالي يسأله :
بكم ياعم حزمة الجرجير ؟
وضع البائع يده علي جبينه كالمظله ليتقي شمس الحاره الحارقه ورفع رأسه قليلا ثم اردف بصوت مرهق مبحوح،الثلاثه بربع جنيه!!
-مينفعش الخمسه؟
-ماشي ياست اسقطي السبت ،انزلت السيده السبت، ووضعت فيه الربع جنيه ووضع لها بائع الجرجير الخمس حزم ، ومافتئ ان ادخل الربع جنيه في جيبه حتي نادته السيده مره أخري :
شوف لي خمس حزم بضين ومورورين، دول لو شافهم أبو رمضان حيرميهم في وشي ويستكثر عليهم الربع جنيه!
-لكي ماتريدين ، فتح الرجل بؤجته الكبيره واخذ يبحث عن طلب ابو رمضان وهو يلعن الجرير واللي باعه واللي زرعه وبالمره أبو رمضان ، وفي النهايه استنظف خمس حزم ووضعهم في القفص المتدلي .
- بعد الفحص سريعا باغتته:
لا دول زي اللي قبلهم ، مش عايزه جرجير ، رجع لي فلوسي!
لم تفعل أم رمضان ذلك من فراغ فلقد دربها ابو رمضان ( بخيل الحاره )صاحب أكبر عماره في الحاره علي التقطير والتوفير ، وماوفق الا ماجمع!! فهي ابنه عمه المقطر دوما علي نفسه والناس يعني الاثنين قطهم جمل وقرشهم جنيه، والبذخ لايعرف الي بيتهم سبيلا وقد ربوا اولادهم علي ذالك التقطير والخوف من فقد الاشياء بلاعائد ، يتظاهرون في الحاره بغير ذالك حتي كشفتهم طفلتهم الصغيره البريئه ذات التسعه اعوام حينما تعثرت في حجر فوقع منها قرطاس الطعميه وطبق الفول المدمس واختط بهما التراب وطفق الاطفال يلتفون حولها وهي تصرخ :
الطعميه كستها ذرات الرمل وحبات الحصي باتت اكثر من حبات الفول المدمس الملقاه في عرض الحاره ، كانت الصغيره تنظر الي اعلي تحسبا لوقفه امها في البلكونه ثم يرتد نظرها الي حبات الفول واقراص الطعميه المختلطين بالتراب ، تاره تنطر وتاره تبكي وترجوا من اطفال الحاره المساعده ، رق لحالها اطفال الحاره لانهم يعرفون من اهاليهم مدي حرص عم رمضان علي القرش والتعريفه ،وان طفلته سوف تلقي حتفها لامحاله اذا ذهبت الي بيتها حامله فوارغ القرطاس وطبق الفول الخالي من الحبيبات، دقه جدعنه دكت اعناق اطفال حاره السلطان و ذهب كل واحد الي بيته يأتي بمصروفه الذي ادخره لهذا اليوم الاسود( قرش وقرشين) ويضعهما في يد الطفله ابنه رمضان حتي تجمع في حوزتها خمسون قرشا تكفي لشراء بربع جنيه اقراص طعميه وبالربع الاخر تملئ طبق الفول بحبات الدميس ، انقذ الصغار الفتاه من بطش الاب البخيل وظلت الفتاه تردد في وجل وصوت مرتعش:
شكرا يا اخواتي ، هذا الجميل سوف لا انساه لكم طيله عمري .
في احدي الايام تكرر ماحدث للطفله لزميل اخر لها في الحاره ، ودعت ابنه رمضان أطفال الحاره الي مساعده الطفل وخاصه انها تحسبه فقيرا لان اباه لم يتطاول في النيان مثل ابيها ، فبيتهم الكائن بوسط الحاره بنايه من دور واحد لا ثاني لها تبدو قصيره ونشاذا عند معاينه بيوت الحاره، ولكن الطفل باغتها:
ابي لايقبل العوض، وسأذهب اليه احكي له ماحدث وسيغفر لي عثرتي ، اطلقت الطفله زفره طويله ملؤها الارتياح فقد اعفاها الطفل من الحرج الذي كان سيصيبها يوم يهرع الاطفال ويعودون وايديهم تقبض علي القروش وتعود هي بيد خاويه تقبض علي الريح ، هذا ماتملكه في اياديها الصغيره التي لم تمتد لأباها قط يوما للحصول علي المصروف.