السيناريست/ عماد النشار يكتب : الثانوية، كفاح شعب مصر !
الجارديان المصريةلم تنل نائبة من شعب مصر وتستنفذ كل طاقته المادية والنفسية والصحية دون نصر يذكر أو نتيجة ملموسة مثلما فعلت بهم شهادة الثانوية العامة ، والتي على عكس طبيعته لم يكن لها ثمة حظ ولو بالقدر اليسير من السخرية والنكات وروح الدعابة التي تتلبسهم عند أفدح المصائب والهزائم والتي لم تنجوا منها حتى العقائد والمقدسات ، فنذ اجتاحتنا جائحة الثانوية العامة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي ، وشعبنا الصامد في كفاح غير مبرر ولا مفهوم مع هذا اللغم الذي تم زرعه في كل بيت يتم فيه إعلان حالة الطوارئ قبل الدراسة بشهرين وما أن تنتهي بإعلان النتيجة حتى يتم فرضها في بيوت أخرى ، إثنا عشر شهر كاملة دون انقطاع وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود والشعب "السيزيفي" يحمل الشهادة ليصعد بها صوب المستقبل المزعوم وقبل أن يصل إليه يهوي بها أغلبه إلي القاع ليتلقفها غيرهم وهكذا أجيال ورا أجيال ! ومايثير العجب أن قبل أربعة عقود لم تستحوذ الثانوية العامة على اهتمام يذكر رغم جودة التعليم نوعا ما ، إلى جانب فرص التوظيف الحكومي التي كانت متاحة سواء بأمر تكليف أو عن طريق المسابقات المختلفة حكومية كانت أو قطاع خاص ،التي كانت تطلب وتتلقف خريج الجامعة ليكون له الأفضلية في التعيين دون غيره من باقي المؤهلات رغم أن الدبلومات الفنية المختلفة كانت تتمتع وقتها بمكانة وتقدير يجعل أصحاب أعمال بل وأصحابها لا يشعرون بالفرق بينهم وبين خريجي الجامعات ،وهذا ماجعل أغلب الأسر ليس لديهم أدنى هوس لدفع أبنائها دفعًا للإلتحاق بالتعليم الجامعي رغمًا عنهم وعن قدراتهم في الاستيعاب والتحصيل دون دروس خصوصية وغش كما هو الحال الذي انقلب مع نهايات الثمانينات وحتى الآن، وهذا مايحتاج دراسة وتفسير وتحليل منهجي من أهل الاختصاص في علوم الاجتماع والنفس والفلسفة التي وأدوا مناهجها دون رحمة، ليطلعونا على أسباب بركان الهوس بالثانوية العامة الذي انفجر مرة واحدة وبشكل جماعي مثل العدوى رغم تدهور التعليم وإلغاء أمر التكليف إلا ما ندر لبعض التخصصات ، وشح مسابقات التوظيف الحكومي والخاص ، والذي واكب خديعة المعاش المبكر قبل اغتيال القطاع العام برصاصة الخصخصة التي أردته جثة هامدة باعوا لحمها وعظامها وكوادرها بثمن بخس،إلى جانب تفشي ظاهرة الدروس الخصوصية التي تبتلع الدخل ثم تلقي بالأسر في أتون التقشف والاقتراض من أجل شهادة جامعية لاتسمن ولاتغني من جوع ولا تحقق 1% من كفاح الأسر وما تكبدته طيلة خمسة عشر عام هي مدة دراسة الأبناء منذ الحضانة وحتى الحصول على الشهادة الجامعية كي يلتحقوا دونها بأعمال يقوم بها من لم يكمل تعليمه أو من لم يتلقى تعليم ، ليعملوا عندهم أوتحت رئاستهم وإشرافهم ، ورغم أن هذا المصير أصبح معروف وبديهي لدي الشعب المكافح "على الفاضي" منذ عشرات السنين إلا أن متلازمة الثانوية العامة تمكنت منهم وارتضوا بها "بعبع" على الأباء مواجهته ليتقلدوا وسام "كيشيوت" الذي أفنى حياته وهو يحارب طواحين الهواء!
لا أعلم أذا كان الأمر يحتاج تهاني وتبريكات على ثانوية عامة مبتسرة منزوعة"البعبع"، أم تعازي لتعليم خاص لمن استطاع إليه سبيلا؟!