السبت 21 ديسمبر 2024 07:04 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د/ نجلاء نصير تكتب : الواقعية النقدية في رواية (سقارة) للمبدع د. إيهاب بديوي

د/ نجلاء نصير
د/ نجلاء نصير


مما لا شك فيه أن أي عمل أدبي هو مرآة تعكس واقعنا الاجتماعي، ومن ثم فرواية (سقارة) تعد عدسة لاقطة تعرض مشاهد متلاحقة للواقع من خلال فضاء الأحداث والشخصيات والزمكانية، فمنذ ظهور الواقعية النقدية في أوائل القرن التاسع عشر التي توازي الرومانسية في تلك الحقبة الزمنية، كان الرومانسيون يصورون خلجات مشاعرهم منطلقين من محورين هما التلقائية والخيال، كما نراه متمثلا في أعمال هوجو، وموسيه، ولامرتين.
وكان الواقعيون من أمثال فلوبير، وبلزاك، وموباسان، واستندال يميلون لتصوير الواقع بكل مساوئه، فالأديب لا يقوم بدور المصلح الاجتماعي من خلال عرضه الأدبي، ولكنه يرصد لنا الواقع بكل مساوئه ليدق ناقوس الخطر، ويلفت الانتباه للقضايا الشائكة التي تنتشر في مجتمعنا، كما يكشف الستار عن المسكوت عنه من خلال عرضه الأدبي مسقطا ورقة التوت عن الزيف الاجتماعي.
ومن الغلاف الذي يمثل أولى عتبات النص التي يستقبلها المتلقي، يأتي السؤال الذي يطرح نفسه: هل وفق الروائي في اختيار العنوان أم لا؟
فالغلاف يلعب دورا في تشكيل الفضاء الهندسي للرواية، ويعد من عتبات النص أيضا، فالعمل الأدبي بناء هندسي مفتاح الولوج إليه هو العتبة، ومن لا يحسن قرع الباب فلن يحسن فهم النص الأدبي، فربما دخل المتلقي للنص لكنه لا يفلح في سبر أغواره والوقوف على بؤرته ومن ثم يقرأ قراءة سطحية ولا يصل للمعنى الخفي للعمل الأدبي وهذا لا يفلح في صنعه إلا المتلقي الفطن الذي يمتلك أدواته.
العنوان:
فضلا عن ذلك يعد العنوان المفتاح الذي يرسل به المبدع للمتلقي لفك شيفرة النص الأدبي كما يعد من عتبات النص الهامة، فإذا سلمنا بأن النص الأدبي بناء، ففضاء العنوان المعماري من دعائمه، فالعنوان جاء مباغتا للمتلقي ويفتح الأفق على التأويل، فهل نحن أمام رواية تاريخية تسرد لنا أسطورة أم لا؟
المقدمة:
(هل تعرضت للظلم مرة في حياتك؟ هل ملأك الإحساس بالقهر...) ص 3
فالمقدمة ترسل برسالة نفسية للمتلقي والسؤال الاستنكاري الذي تكرر ليؤكد على الغصة التي في حلق الكاتب مما يؤكد ذلك في قوله ( في كل حضارة هناك نموذج للبطل الذي يرفض الظلم وتتوارث الأجيال حكايات قوته وعظمته... هرقليز، السندباد، روبن هود... هل من الممكن أن تصبح أنت هو..؟
فالمقدمة تشير لمغامرة ما بين دفتي الرواية فهل نحن أمام روبن هود المصري؟
الإهداء:
(الدكتور العالم وسيم السيسي...)
(والدي: للدنيا وجوه كثيرة أدعي أنك واجهتها كلها كن كما تحب....)
(زوجتي سمسم ملهمتي.....)
(إلى صديقي الذ عاش معي أحلام الطفولة والصبا...) ص5
فالإهداء يوضح استلهام الكاتب للتاريخ من خلال حبه للدكتور وسيم السيسي.
الشخصيات:
الرواية بدأت برائف، يقول الكاتب (أخذ رائف في القفز على كتف والده يرجوه أن يسمح له بالذهاب مع والدته).. ص6
رانيا (مهندسة) وكانت زميلة زوجها في العمل (40): والدة رائف وزوجة سامح بطل الرواية.
سامح: شخص مسالم يعمل مهندسا
تدور أحداث الرواية حول الطفل (رائف) الذي أصر على مرافقة والدته للمول ثم اختفى مع سيارة والدته من أمام المول، فلجأ والده (سامح) للشرطة ومن ثم تبدأ الأحداث في التبلور لتكشف عن منظومة فساد متكاملة يتزعمها ضابط فاسدوأمين شرطة يعيش على الرشوة، ويتجلى ذلك في قول الكاتب:
( طلب منه أمين الشرطة التوجه إلى قسم الشرطة لاستكمال الإجراءات ريثما يتم تفريغ الكاميرات.... قبل خروجهما من القسم همس لهما أحد الأمناء بألا يتركوا المنزل لأن هاتفا سيصلهم اليوم..... أمامكم 24 ساعة لتجهيز 250 ألفا....) ص6،7
وتبدأ الأحداث في التشابك بعد عودة السيارة بدون رائف فيغضب والده ويذهب إلى قسم الشرطة، يقول الكاتب( وانقض على أمين الشرطة يريد ابنه... تجمع زملاء الأمين على سامح وضربوه بعنف حتى غاب عن الوعي.... دخل عليه الأمين وسأله عن سبب جنونه، أخبره أن ابنه لم يحضر مع السيارة..... ما أن وصلا إلى منطقة هادئة حتى وقع على يد الأمين يقبله.... اسمع يا سيد سامح، لا دخل من قريب أو بعيد بخطف ابنك،... وصلت إلى من اتصل بك بدون أطفال.... غدا تقابلني عند أول طريق الواحات خارج المدينة المغرب وسيكون معي ابنك.... جهز خمسة آلاف أخرى كي يكون جاهزا لو طلب منه الأمين أو غيره مالا...)ص7،8.
وتتشابك الأحداث وتبدأ في التصاعد، فبؤرة الرواية(اختطاف رائف). وتبدأ المغامرة من مقتل أمين الشرطة على يد مجهولين وفي حواره الأخير مع سامح يترك رسالة ملغزة (لقد خانوني، ابتعد عن القريب، واقترب من البعيد، وابحث حولي وحولك) ص8.
ويتهم سامح بقتل أمين الشرطة بالباطل، فيضطر للتسلل إلى المدينة ليصل لمحطة القطار ويركب القطار المتجه إلى الجنوب من محطة الجيزة، يقول الكاتب ( فاجأته صحيفة الصباح التي يقرأها جاره بصورته ومعها اتهام بقتل أمين الشرطة).
وهنا يجد المتلقي نفسه يجيب على سؤال المقدمة: هل تعرضت للظلم؟
فالرواية تسرد قصة المهندس المسالم سامح الذي اضطر للفرار خارج البلاد عن طريق منصور صاحبه الذي يسكن على أطراف مطروح والذي سهل له أمر الهجرة غير الشرعية ووفر له المال اللازم لرحلته بعد أن شوهته الفضائيات، يقول الكاتب ص10على لسان رانيا زوجة سامح( خاصة وأن الفضائيات قد التقطت الموضوع وشوهته تماما خلال اليومين، حتى أن أحدهم أكد أن لديه معلومات من جهات عليا أنه ينتمي لداعش وأنه قام بعمليات التفجير الأخيرة....)
مما لا شك فيه أن فضاء المكان كان حاضرا في الرواية ( معسكر وسط الصحراء، سوريا، اليونان...) ففضاء المكان رسم للمتلقي خريطة رحلة الهجرة.
فالرواية تتلاحق أحداثها ويحبس معها المتلقي أنفاسه، فالمهندس الشاب تحول لمجرم رغم أنفه ووقع ضحية الظلم في أسر الهروب، فاستغلته الجماعات المتطرفة وحولت بوصلته نحو سوريا، ورصد لنا المؤلف حجم الدمار الذي لحق بها، يقول( أصيب بالذهول من حالة الدمار الشامل)
(واندمج في عمليات إنشاء المراكز المحصنة.....)
(أعلن عن رغبته بالعودة الفورية بعد اقترافه لأول جريمة قتل للدفاع عن نفسه وأنه لا ينتمي لأي فصيل، كما كشف لنا عن الصراع السياسي القائم بسوريا والمرتزقة من الجنسيات المتعددة الذين يقاتلون من أجل المال، سمح له أبو مصعب بالسفر وأعطاه ورقة بها عنوان مكتب صرافة في القاهرة.....)
فالمتلقي ينتقل مع البطل في رحلة يطل من خلالها على أحوال الوطن العربي وحجم الدمار الذي نتج عن الربيع العربي، وضرب لنا مثلا بسوريا، ويكشف الستار عن جماعات المرتزقة التي تقاتل من أجل المال، بل سيتحول هو من خلال منصور إلى مورد للمقاتلين بعد أن يحكم السيطرة عليهم، وكيف غير أوراقه الثبوتية من خلال الريس مجدي وتحول لناجي، يقول الكاتب على لسان الريس مجدي ( هذا شاب من هنا غرق.... يا صديقي من يبتلعه البحر لا أحد يعرف عنه شيئا)
البناء الخارجي لشخصية سامح (ناجي):
(اختفت ترهلات جسده وتحول إلى القوة والمتانة، وقف على قدميه مشدودا كوتر العود المتألق، تحول إلى اللون البرونزي)
كما تلقي الرواية الضوء على سماسرة البشر، ويتجلى ذلك في المقطع ( اسمع يا أبا مصعب، أنا لا يهمني من أنتم، ولا مع من ضد من، كلكم خاسرون، الشعب السوري هو الخاسر....لي عندك طلب، إذا ضاقت الدنيا عليك، اذهب إلى منصور فورا، ولو رأيت شبابا يريد الخروج... فلا تتردد في إرساله، وسنعطيك عشرة آلاف دولار عن كل متطوع)
كما يتطرق الكاتب لقضية فساد الذمم ومنها فساد بعض أمناء الشرطة الذين يشاركون في عمليات مشبوهة مقابل عمولة ومنهم الأمين (سيد) الذي أرشد عنه أمين الشرطة الذي اختطفه سامح وأدخله غرفة التعذيب بالفيلا التي أجرها من المعلم لبيب بطريق سقارة، ومنذ أن غير سامح أوراقه الثبوتية استدعى شخصية ناجي التي تناقض شخصية سامح المسالم، فاختطاف رائف هو البؤرة أو عقدة الرواية التي انطلق البطل من خلالها وتبدل حاله ورسم خريطة مغايرة لحياته الأولى، فأصبح هدفه الأول والأخير الوصول لابنه، فحين لم تفلح الطرق القانونية لم يجد سبيلا إلا الاعتماد على قانونه الخاص، فالمفارقة في الرواية تكمن في أيقونة الظلم التي حولت البطل لوحش كاسر يبطش بكل ظالم، ليس ذلك فحسب بل نصب نفسه قاضيا يحكم على الفاسدين.
فشبكة الفساد متشعبة من أمين الشرطة (سيد) إلى (أيمن مدير مكتب الشهر العقاري..) ويتجلى ذلك في الحوار الذي دار بين ناجي وأيمن: ( أنتم منظومة فساد كاملة ومغلقة، الكل يسرق، والحياة أصبحت صعبة جدا، وصدقني الأمر يزداد صعوبة كل يوم، فالأغبياء يضيقون علينا الخناق جدا.
- تقصد الشرفاء
- بل الأغبياء، تجد الموظف أو الضابط أو القاضي يعاني لكي يكمل الشهر براتبه ثم يرفض بإصرار)
ومن القضايا الشائكة الأخرى قضية تجارة الأعضاء البشرية ومنهم وهدان الذي وصل إليه عن طريق سيد أمين الشرطة بعد أن أوهمه برغبته في شراء ولد ليكون مساعدا له، يتجلى ذلك في وصف ناجي للوحة لقاءه بالمعلم وهدان:( توجهوا للجيزة إلى أن وصلوا إلى منطقة وعرة......وصل لمكتب وهدان... وأخبره أن هذا المكان لا يحتفظون فيه بالأطفال كي لا يعتدي عليهم الشباب الجائع، لكن صورهم محفوظة في ملف على جهاز الكمبيوتر.... إنه رائف.... قام مدير العمليات فعمل قليلا على الجهاز ثم هز رأسه قائلا: للأسف غير متاح..... وهدان لقد تم بيعه لإحدى المستشفيات ....)
ويسرد لنا كيفية اختيار الأطفال، فجميعهم يخضعون لعدة تحاليل (ومن تتوافق عيناته مع قائمة الانتظار يذهب إلى هناك......)
ثم ينقلنا لحالة الصراع النفسي من خلال منولوج داخلي دار بينه وبين ناجي، وكيف انتهى المنولوج بانتصار ناجي على سامح ويستدعي جمل الأمين الملغزة مثل( ابتعد عن القريب، واقترب من البعيد، وابحث حولي وحولك...)
وفي الفصل الثالث يعرض لمحاولات ناجي التقرب لوهدان لمعرفة من قام بخطف وبيع رائف وتتصاعد الأحداث فيخطف آدم زوج شقيقة زوجته.
وفي الفصل الرابع يعرض لنا مخططه لاستدراج وهدان ليعرف من قام بخطف رائف ومن اشترى أعدائه، واختطف آدم زوج شقيقة زوجته لمعرفة دوره في خطف رائف.
فناجي يدخل عش الدبابير ويخالط تجار البشر ويعرض عليه وهدان هدية بعد العرض:( بعد العرض عندي لك هدية لن تكلفك سوى عشرة آلاف دولار..... دفه المبلغ ولاحظ أن الفتاة تسير بصعوبة... ارتعشت أنامل الفتاة ودخلت في نوبة من البكاء... طلب منها ناجي الهدوء والنوم...)
ويجد المتلقي نفسه أمام صدمة جديدة، فلمار فتاة سورية تعرضت للسبي في حرب سوريا بعد تصفية أسرتها، فيعاملها ناجي برقي ويعاملها كابنته فتشعر بالأمان وتشاركه في رحلته من خلال اتقانها تقنية الإنترنت التي تجيدها إجادة عظيمة، ليس هذا فحسب، بل تعرض أفكارها عليه ومن ثم تصبح من أهم عناصر فريقه.
وفي الفصل الخامس: يعرض لنا مشهد مساومة القاضي الذي اشتهر بفساده وكيفية السيطرة على وهدان، كما يعرض لدور الإعلام من خلال الإتصال بالإعلامي الشهير ناصر عابد ( لأني أعرف منذ زمن أنه يبحث عن ملفات الفساد....)
وفي الفصل السادس: يستخدم المبدع الإنزياح في رده على سؤال لمار لماذا تصر على ارتداء الملابس السوداء المتكررة؟
يقول ناجي: ( لم أعد أرى سوى الظلال، أعيش في داخل الشوارع المقفرة المظلمة ليلا ونهارا، بداخلي هدوء غريب، أشعر أنني ريشة في مهب الريح تحركها كيف شاءت، إحساسي بالحياة أصبح معدوما، لا تهتمي لأمري يا لمار، ضربة الحياة كانت عنيفة جدا، واكتشفت أنني زجاجي من الداخل، تكسرت أجزائي، في كل مرة أبعد أحد الأشرار عن الطريق أجد قطعة من الزجاج المكسور وأرممها).
ونجد تفسير لصورة رجل السلويت على الغلاف:( بعض الأقاويل تدعي أن عصابة جديدة تحاول السيطرة على البلد يقودها رجل الظل...الاسم الذي أطلقوه على قائد العصابة)
وهنا تفك شفرة عتبة الغلاف، فضلا عن ذلك يكشف لنا المبدع عن شبكة متكاملة من الفساد من تجار البشر، تجار الأعضاء البشرية، الأطباء الفاسدون، كما يكشف عن تورط المسؤولين الحكوميين في هذه التجارة، ومن المفارقات في الرواية المحكمة العرفية التي عقدها ناجي وطلب من القاضي أن يحكم في القضايا ومنهم الطبيب هاني، ود. غادة الشهيرة التي تم ترشيحها لمنصب وزيرة الصحة، فضلا عن تورط آدم زوج شقيق زوجته في تلك الشبكة:
( آدم يمتلك شركة مقاولات صغيرة معروف عنها الفساد ودخولها في العمليات المشبوهة)....
وفي الفصل السابع: يقنعه فريد ضابط الشرطة النزيه الذين حكم عليه زورا وتم تلفيق قضية له حكم فيها القاضي الفاسد، واستطاع ناجي أن يهربه أثناء المحاكمة، كما يعرض لتتبعه لأعضاء ابنه المباعة:( العيون حصلت عليها ابنة رجل الأعمال المعروف عادل رمز الدين أحد أباطرة الصناعة.....)
ويتجلى التناص الديني في قصة الجن الذين كانوا يحكمون الأرض:( وعلاقتهم جيدة بالسماء، حتى ظهر جيل فاسد أكثروا القتل والإفساد، فحاربتهم ملائكة السماء وانضم لهم في الحرب المقدسة عزازيل أو لوسفير، فقربه الله عز وجل وجعله كبير الملائكة....)
كما يتطرق في هذا الفصل لتاريخ نشأة الماسونية.
ويعرض في الفصل الثامن لفاسد آخر التقى به وعرفه من خلال سيد وهو نجيب المحامي الذي يعرف نفسه بأنه:( علاقته جيدة بالشيطان ..)
فضلا عن ذلك يعرض لتاريخ بناء هرم سقارة، ويعلن اتخاذه من هرم سقارة رمزا لمؤسستهم، ويظهر في الأحداث الدكتور حسن الذي رتب ناجي لاستقطابه لمؤسستهم وهو حاصل على ماجستير في الطب الشرعي وتعرض للاضطهاد وعينه ناجي وفريد رئيس قسم التطوير والأبحاث في مستشفى النجوم.
وفي الفصل التاسع: يعرض لتاريخ نشأة الماسونية مرة أخرى، وإخوان الإسماعيلية، وإخوان الصفا..... وتقسيمهم لطبقات، الطبقة الأولى( طبقة أرباب الصنائع يقل عمر العضو فيها عن خمسة عشر عاما، ويسمون الأبرار والرحماء، طبقة الأخيار الفضلاء وهم من يملكون الشفقة والرحمة على الإخوان.....، كما تطرق لمشكلة الإعلام وحروب الجيل الرابع والخامس....
كما عرض لمافيا تهريب الآثار، ومما يدل على قوة هذا التنظيم قول ناجي: من الواضح أننا أمام تنظيم قوي وعنيف...
كما تطرق لأزمة اليونان الاقتصادية.
الفصل العاشر: يعرض لترتيبات إنشاء المقر الجديد للتنظيم من خلال( بناء مجمع علمي نجمع فيه العباقرة لتنفيذ أبحاثهم.... وهذا المجمع العلمي هو إنشاء جامعة للعلوم والتكنولوجيا ذات طبيعة خاصة....) كما يعرض للقائه بالدكتور وسيم الذي يسرد سبب تسمية سقارة ( يعود إلى إله مصري قديم اسمه سقر أو سوكر كما ينطقه علماء المصريات الغربيون....)
إلى أن نصل إلى تفسير أسطورة الصقر الحارس، فالرواية تعرض لمأساة حقيقية بدأت من حياة سامح وتشعبت لتشمل أسرته ومن ثم المجتمع حتى شملت الوطن العربي.
واستطاع الكاتب من خلال التناص التاريخي ( اعتقد قدماء المصريين أن سقر إله الأرض وحامي عمال التعدين مما جعله قريبا من الإله بتاح إله العمال وأعطوا له نفس الصفات.... ولهذا كانوا يسمونه بتاح_سقر، كان يمثل بجسم إنسان له رأس صقر، وكان له دور في طقوس فتح فم الموتى،... إذن سقر كان مسئولا عن حماية حقوق العمال أو يمكننا أن نقول الشعب بصورة أشمل ضد ظلم وفساد أعضاء الطبقة الحاكمة وكبار رجال الدولة، ولهذا ارتبط في العصور المتأخرة ببتاح وأوزوريس وهما المسئولان عن العدالة وأساطير شعبية في الحضارة المصرية...)
فتماهى ناجي مع سقارة ولعب دور حامي الشعب من شبكة الفساد، ويعلن سامح تنصله من شخصية ناجي، يقول( اليوم أعلن لكم أني قد تخليت عن ماضي سامح.... أنا الصقر الحارس المحلق في سماء الكون....)
ويعلن فريد عودته ليحصل على البراءة وينقي اسمه من دنس فسادهم.
فضلا عن ذلك تطرق المبدع لعرض تاريخ شريحة التحكم التي نجح الدكتور حسن في زرعها في د.هاني للسيطرة عليه:( وتحدد يوم رأس السنة للاحتفال الكبير، اجتمع كل من تم اختياره في المقر الرئيسي بقاعة حورس الكبرى أسفل المبنى الهرمي الجديد... يرتدون زيا موحدا صممه الدكتور وسيم بنفسه يتكون من عدة قطع ذات طابع حربي فرعوني، وغطاء الرأس على شكل صقر مشابه تماما لرأس سوكر... حتى وصلت الدائرة إلى المستديرة الصغيرة التي يجلس عليها ناجي، وفريد، ولمار، وحسن، ووليد، بينما في المنتصف يقف الدكتور وسيم متخذا وضعية الراوي يحمل صولجانا في نهايته جهاز تحكم عن بعد يشغل أجهزة تحكي في تتابع مبهر تاريخ البشرية وحضارتها المتعددة والديانات السماوية بحيادية تامة حتى الوصول للحظة التي سيتحدث فيها وسيم، ضرب بصولجانه على الأرض فاهتزت أرجاء القاعة، ثم خرج صوت
من كل الزوايا: العدل....الحرية....المساواة....الحق....التواضع....الرحمة....السيطرة....الجمال....الصبر....الصدق....الحكمة....سنأخذ بيد العالم نحو النور...)
جاءت لغة الكاتب سهلة سلسة لم تخل من اللغة الشاعرية في غير موضع.
كما استخدم تقنية التناص التاريخي والتناص الديني وهذا يحسب للكاتب.
ومجمل القول:
إن الرواية تفضح خبايا الجماعات المتطرفة والفساد المغلف بالمناصب في مجتمعنا، فضلا عن مافيا تجارة الآثار، والأعضاء البشرية، كما استطاع الروائي أن يسلط الضوء على مساوئ ثورات الربيع العربي ومخطط تفتيت الشرق الأوسط، وعرض لتاريخ الماسونية وأهدافها التي خرج منها الجميع بخسارة عظيمة، ونشط بسببها سوق النخاسة الذي يورد المقاتلين والأطفال لتجارة الأعضاء البشرية كما يؤمن لأصحاب الشهوات المنحرفة ما لذ وطاب من الفتيات اللاتي أسرن في أزمة الربيع العربي، كما تدق الرواية ناقوس الخطر في وجه كل ظالم وفاسد وتكشف المستور عن وجوه تتجمل بالمناصب، ففي ظاهرها خدمة الوطن وفي باطنها التجارة بمقدرات الشعوب، وقد تلاحقت أحداث الرواية، فالمتلقي يبحث مع البطل عن رائف وعن المجرمين الذين انتفعوا بأعضائه، ومن المفارقات في تلك الرواية أن من خطط لخطف الطفل كان خالته وزوجها، وقد حاولا نفي تهمة اختطاف رائف بل كانت رانيا المقصودة.
فأين نعيش؟ وهل يحكمنا قانون الغابة؟
وقد سبق وطرحنا سؤالا: هل وفق الروائي في اختيار الغلاف؟
نعم، جاء اختياره موفقا يومئ بتلاحق الأحداث وعنف المشاهد المتتابعة.
الرواية بدأت بالظلم، وانتهت بتنظيم يهدف لتحقيق العدالة على الأرض.