الجمعة 27 ديسمبر 2024 03:46 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاته زكريا يكتب الضمير العالمي ينهض: حين تتجاوز القضايا الإنسانية حدود السياسة

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

في عالم مليء بالصراعات والمصالح المتشابكة تظهر بين الحين والآخر لحظات تكشف عن جوهر الإنسانية وتعيد تذكيرنا بأن الضمير الحي لا يزال يقظا .. واحدة من هذه اللحظات التي عادت إلى الواجهة هي قضية فلسطين تلك القضية التي أصبحت معيارا عالميا للعدالة والحرية ، حيث تبرز كأكبر اختبار لضمير الشعوب وصانعي القرار.

في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب ، وقف أكثر من 500 ناشر ليعلنوا رفضهم القاطع للتطبيع مع إسرائيل، مطالبين بقطع العلاقات كما حدث مع روسيا. ليس فقط كنوع من العقوبة السياسية ، بل كرسالة أخلاقية تتخطى حدود السياسة وتعكس التزاما بالقيم الإنسانية. إن هذا الموقف يعبر عن تطور نوعي في المشهد العالمي حيث لم تعد المصالح الاقتصادية أو التحالفات السياسية تعيق التعبير عن رفض الظلم.

ولم يكن هذا التحرك الوحيد فقد أعلن الفائزون بجائزة "جيلر" الكندية موقفا حاسما بمقاطعة الحدث بسبب تعاون الجهة الداعمة للجائزة مع شركات إسرائيلية. هذه الوقفات تُظهر أن المثقفين والكتاب لا يقفون على الحياد حينما يتعلق الأمر بالعدالة الإنسانية، بل يأخذون مواقف صارمة، حتى لو كانت تكلفهم مكاسب شخصية أو مهنية.

وما يجعل هذه المواقف أكثر قوة وتأثيرا هو أنها ليست محصورة في مكان أو مجتمع بعينه ، بل تمتد عبر الحدود الثقافية والجغرافية. الكاتبة الأمريكية من أصل هندي، جومبا لاهيري، رفضت قبول جائزة متحف "نوغوتشي" للنزاهة الفنية بسبب موقفه المائع تجاه العدالة. بهذا التصرف، أضافت لاهيري اسمها إلى قائمة الشرفاء الذين جعلوا من أصواتهم صدى لكل من يرفض الظلم في أي بقعة من العالم.

القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع سياسي أو نزاع إقليمي بل هي رمز لنضال طويل من أجل الحرية والكرامة. وهي في كل مرة تعود للواجهة تكشف زيف الحياد المزعوم وتعيد تشكيل التحالفات على أسس جديدة أسس تحترم حقوق الإنسان وترفض أن يُستخدم أي إنسان كوقود في صراعات القوى.

في هذه اللحظات يُثبت الضمير الإنساني أنه أقوى من أي قوة عسكرية أو سياسية. ربما يرى البعض أن هذه الوقفات رمزية ، لكن تأثيرها يتجاوز الحدود المرسومة ، ليصل إلى قلوب الناس ويشعل فيهم شعلة الأمل والتضامن.

نحن أمام زمن لا يُقاس فيه النجاح بالقوة العسكرية أو الاقتصادية فقط بل بما تحمله هذه التحركات من رمزية وقوة أخلاقية. ففي لحظة ما ستنحني السياسة أمام الإنسان، وستنتصر الإنسانية مهما طال الظلم.