المستشار رامى الشاعر يكتب : روسيا أنقذت سورية من حرب دموية مدمرة مرّتين قبل عشر سنوات، والآن
الجارديان المصرية"روسيا أنقذت قبل عشر سنوات دمشق من الدمار، ونشوب حرب أهلية طائفية، عندما أخرجت الفصائل المسلحة من ضواحي دمشق إلى إدلب، أما اليوم، وبالتعاون مع تركيا وإيران أيضاً، تم إنقاذ سورية من حرب أهلية واسعة ومدمرة".
"روسيا تواجدت في سورية بهدف محاربة التنظيمات الإرهابية، والتي كانت مصنّفة من قبل مجلس الأمن الدولي بأنها إرهابية".
"روسيا لم تنهي هذه المهمة بنجاح وحسب، بل أنقذت سورية من حرب أهلية كانت على وشك أن تندلع، ولو اندلعت -لا سمح الله - لكانت دمرت وأهلكت البلاد والعباد، وسيكون ضحيتها ما لا يقل عن مليون ونصف مواطن، بالإضافة إلى تدمير أهم المدن السورية".
فور انتهاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمؤتمر الصحفي السنوي يوم الخميس 18/12 الجاري، توجهت وكالة أنباء "ماتريوشكا نيوز" إلى محاورة المستشار السياسي الروسي والمقرب من مؤسسات صنع القرار للسياسة الخارجية الروسية السيد رامي الشاعر، لوضع النقاط على الحروف، وإزالة أي التباس أو غموض أو تحريف مقصود لما ورد على لسان الرئيس الروسي، وخصوصاً فيما يتعلّق بمستجدات الوضع السوري ورحيل نظام بشار الأسد، وكان هذا الحوار الخاص والحصري لوكالة انباء "ماتريوشكا نيوز" على النحو التالي:
- ذكر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال المؤتمر الصحفي السنوي يوم الخميس 18-12-2024 بأنه سيجري لقاء مع بشار الأسد دون أن يحدد موعده، برأيكم كيف ستكون طبيعة هذا اللقاء؟
أولا، في اللقاء لن يكون لبشار الأسد أي صفة رسمية، ولكن عندما تم التوصل لقضية مغادرته سورية وعدم إعطاء أي أوامر للأجهزة الأمنية وقيادة الجيش بمواجهة المجموعات والتنظيمات المسلحة، وافق على المغادرة المبدئية إلى روسيا. ولكنه طلب أن يسمح له بلقاء مع الرئيس بوتين، وبالتأكيد أتت الموافقة بأن اللقاء سيتم، وقد ذكر الرئيس بوتين في لقائه الصحفي هذا اليوم بأنه سوف يلتقي مع بشار الأسد، وكان هذا ردا على سؤال لممثل وكالة أنباء "بي بي سي" البريطانية، الذي ذكر رسالة والدة الصحفي الأمريكي، المجهول المصير منذ 11 سنة، والتي سبق وطلبت من القيادة الروسية الاستفسار من بشار الأسد عن مصير ابنها، والرئيس بوتين تعامل مع هذا الموضوع من ناحية إنسانية، ووعد علنا أنه سيلتقي مع بشار ويستفسر منه عن هذا الموضوع، وبالتالي فإن اللقاء له أبعاده الإنسانية لجهة معرفة أم عن مصير ابنها، كما له بعد يتعلق بضرورة مغادرة بشار الأسد سورية حقناً للدم السوري، وفي كلا الحالتين يبدو الدور الروسي واضحاً.
- ما تعليقكم على بعض أسئلة وآراء بعض المحللين السياسيين ورؤساء وكالات إخبارية عالمية وسياسيين دوليين وحتى محليين، ممن يحاولون أن يُعرِّفوا ما حصل في سورية على أنه هزيمة لروسيا، لا سيما أن الرئيس الروسي بوتين أجاب هذا اليوم بأن هذا غير صحيح.
أنا أستغرب بأن وكالات أنباء وأخبار عالمية وسياسيين دوليين ومنهم روس، والذين يجب أن يكون مستواهم أكثر دراية، وأعلى فهماً، أن يفكروا من بعيد أو قريب، بأن روسيا كانت تقوم بدور في سورية، من الممكن أن يؤدي إلى وضع دولة عظمى مثل روسيا لمآل تضع نفسها فيه أن تُهزم، أو لا تُهزم. ولكي أؤكد لكم ذلك دعنا نؤصل أساس التدخل الروسي في سورية. أولاً؛ روسيا ربما هي الدولة الوحيدة الفاعلة في الشرق الأوسط التي لم تتدخل إلا حسب ما تقرر وبعد طلب من الحكومة الرسمية في سورية آنذاك بعد أربع سنوات من الصراع فيها، ولم تتدخل إلا وقد تغولت الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم داعش الذي أصبح - قبل التدخل الروسي عام 2015 - القوة الثانية على الأرض بعد النظام السوري، بل وأصبح يدق أبواب دمشق، وهذه كانت المرحلة الأخطر في تاريخ الصراع السوري، حيث كان تنظيم داعش هو القوة الضاربة على الأرض السورية، وهو في الحالة هذه لم يعد تهديداً للدولة السورية وحسب، وإنما تهديداً للمنطقة بأكملها، ولولا التدخل الروسي حينها لسقطت دمشق في براثن هذا التنظيم المتطرف، وبالتالي انهيار الدولة السورية، وسقوط مؤسساتها بيد التكفيرين، هذا من الناحية العسكرية على الأرض. أما من الناحية السياسية، وبعد أشهر من هذا التدخل فقد نجحت روسيا في استصدار القرار 2254 الذي صدر بإجماع دولي في مجلس الأمن الدولي، وتضمن في أحد بنوده محاربة الإرهاب في سورية، ومن هذه النقطة بالذات أخذت روسيا على عاتقها الامتثال للشرعية الدولية في سورية بمحاربة الجماعات الإرهابية، وبالتالي فإن روسيا وفي كلا الحالتين السياسية والعسكرية كانت تعمل بمشروعية دولية متفق عليها في إطار تعاون الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في محاربة الإرهاب التي تضمنتها العديد من القرارات الدولية، التي شددت على محاربة الإرهاب وعدم توفير ملاذات آمنة له. أما اليوم في سورية، فقد ظهر الدور الروسي في إطار آلية لإنقاذ سورية بطريقة أكثر تنسيقاً، وذلك بالتعاون مع تركيا وإيران أيضاً، في إطار اتفاق أستانا الذي اضطلع بعمليات التهدئة برعاية من الأمم المتحدة والمبعوث الخاص لسورية، ومن أجل غاية مؤداها العملية السياسية في نهاية المطاف، ولكن الأسد تنكر لها، وهذه أحد الأسباب التي أفضت إلى توافقات أدت إلى إنقاذ سورية من حرب أهلية واسعة ومدمرة.
وعلى هذا الأساس، يبدو الدور الروسي في نأي واضح عن معادلة الانتصار في سورية، بقدر ما هو موقف انطلق من الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية وحقن دماء السوريين. أكرر: إن روسيا تواجدت في سورية بهدف محاربة التنظيمات الإرهابية، والتي كانت مصنّفة من قبل مجلس الأمن الدولي بأنها إرهابية. بالإضافة إلى ذلك، أقول وبشكل جازم: أن روسيا لم تنتهي من هذه المهمة بنجاح وحسب، بل أنقذت سورية من حرب أهلية كانت على وشك أن تندلع، ولو اندلعت - لا سمح الله - لدمرت وأهلكت البلاد والعباد، وسيكون ضحيتها ما لا يقل عن مليون ونصف مواطن، بالإضافة إلى تدمير أهم المدن السورية. ولهذا أقول: حقيقة أنا لا أعرف كيف لشخص أن يمثل وكالة أنباء عالمية في روسيا، ولم يستوعب بعد، ماذا سيكون مصير سورية لولا الوجود الروسي.
- ما تعقيبكم على سؤال مراسل الـ "بي بي سي" الذي وجهه للرئيس بوتين، بصيغة: "هل رأيت أين وصل مصير روسيا والتي باتت ضعيفة؟
من المثير للعجب والاستغراب، بأن مراسل يمثل الـ "بي بي سي" في روسيا العظمى، والذي من المفترض أن يكون ذو خبرة في مجال عمله، أن يعتقد أو يصف روسيا بأنها "باتت ضعيفة"، وكذلك لا يستوعب الدور الذي تقوم به روسيا في نقل العالم من الأحادية القطبية إلى التعددية القطبية. ألا يرى أو يدرك بأن زمن الهيمنة الأحادية للغرب والولايات المتحدة وبريطانيا انتهى! وأننا أصبحنا على أبواب عالم جديد؟! ألا يتابع هذا الصحفي كم أصبح عدد دول بريكس، ومن هي الدول التي انضمت إليها، وفي أي محور كانت، وفي أي محور أصبحت. ألم تعلمه وكالته عن التحولات والتجمعات الاقتصادية ومنظمات التعاون التي تشكلت لتعيد صياغة العلاقات الدولية والنظام الدولي في زمن أصبحت فيه هذه التجمعات والمنظمات المحرك الأساس في التأثير في صناعة القرار الدولي، وبالتالي رسم الخطوط الجيوبوليتيكية الجديدة في العالم، بإرادة وقيادة روسية. فعن أي ضعف يتكلم هذا الصحفي والإعلامي، الذي لا أعتقد أنه يصلح إلا كناقل خبر ليس إلا. وهذا إن دل على شيء، إنّما يدل على حقدهم تجاه الإنجازات التي حققتها روسيا في الساحة العالمية، والتي أفشلت كل مخططاتهم لإضعاف روسيا وانهيارها. وهذا الحقد على ما يبدو أعماهم، لدرجة أنهم يريدون تجاهل تطور روسيا والعالم بالاتجاه الجديد الذي يتعارض مع مصالحهم، والتي كانوا يريدون الحفاظ عليها لاستمرارهم بالهيمنة والتطور والازدهار، على حساب مصلحة وتطور وازدهار بلدان وشعوب عالم بأجمعه.
- برأيك كيف ستتطور الأمور في سورية؟
لا شك بأن الوضع في سورية ليس سهلاً، ويمكنني أن اختصره بكلمتين هما "الحذر والترقب" كعاملين مرهونين اليوم بإرادة السوريين، فقد ورث الشعب السوري تركة ثقيلة ستحتاج إلى بعض الوقت ليتم علاج كل مخلفات تلك الحقبة، ولكن وبمجرد أن القرار اليوم بيد السوريين، يجعلني متفائل جداً بأن القيادة المؤقتة الحالية في سورية قادرة على تجاوز كل هذه الصعوبات. وهنا أحب أن أؤكد لكم، أنه لولا ثقة دول مجموعة أستانا، وهنا أقصد روسيا وتركيا وإيران، بهذه القيادة لما تم اتخاذ القرار الفاصل في الـ 48 ساعة الأخيرة، وذلك بإجبار بشار الأسد على ترك السلطة والتنازل عنها، وإعطاء الأوامر للأجهزة الأمنية والجيش العربي السوري بعدم مواجهة التنظيمات المسلحة، خصوصاً وأن المتغيرات على الأرض كانت تُوضّح بجلاء أنها إن لم تكن تحظى بتأييد عامة الشعب السوري لها على أقل تقدير، إلا أنها قد ملت ووصلت لحالة من السخط الذي أصبحت تبحث من خلاله عن أي تغيير، ومهما كان، وهي الحالة التي أوصلت السوريين إلى عدم رضاهم المطلق على نظام بشار الأسد، فكان لابد من قرار يتسق وهذه الحالة. أقول ذلك، ولا أعني هنا أن المهمة قد انتهت، ولكنها بدأت. وهذا من منطلق أملي بالقيادة الجديدة، وغيرتي وعشقي لسورية والسوريين.
- ذكر الرئيس بوتين عندما أعلن أن قاعدة حميميم هي التي قامت بتأمين مغادرة المستشارين الإيرانيين من سورية، هل من توضيح لهذا الموضوع؟
نعم بالتأكيد، فقد عملنا على تأمين أصدقائنا الإيرانيين ونقلهم إلى إيران، وهذا يؤكد على الموقف الموحد لدول مجموعة أستانا، كما يؤكد أيضاً ما أبلغتكم به مسبقاً، بأنهم على ثقة بأن تتجاوز القيادة المؤقتة الحالية كل الصعوبات، وهو بنفس الوقت يؤكد لنا أنهم ضاقوا ذرعا من أكاذيب وألاعيب بشار، ما جعلهم يجبرونه على ترك السلطة خلال الـ 48 ساعة، وهذه خطوة أنقذت سورية من الدمار والحرب الأهلية، تماماً كما فعلت روسيا قبل عشر سنوات حين أنقذت دمشق من الدمار، ونشوب حرب أهلية طائفية، عندما أخرجت الفصائل المسلحة من ضواحي دمشق إلى إدلب. أما اليوم، وبالتعاون فكانت المهمة بالتنسيق مع تركيا وإيران أيضاً، وقد نجحت بالفعل، وتم إنقاذ سورية من حرب أهلية واسعة ومدمرة، ولو لم يكن ذلك، لكان الجيش السوري في مواجهة انشقاق بين صفوفه، ولكان استخدام الطيران وسلاح الصواريخ والمدفعية والدبابات، بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية، لكن تم تفادي كل ذلك، فتُرك المجال لانتصار إرادة المجتمع السوري، وذلك من خلال استلام زمام السلطة بشكل سلمي، وتفادي أي اقتتال سوري سوري.