الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب : حادثة أعادت لنا أجواء أحزان الأزمنة الغابرة
الجارديان المصريةمكلومة قريتي الرجدية مركز طنطا محافظة الغربية. فهي تتلقي كل فترة حادث مأساوي ، لكن أن يموت من شبابها أربعة شباب دفعة واحدة اختناقا في بيارة صرف صحي أثناء تنظيفها . أزعم أنه حدث هز جدران بيوت القرية ، وزلزل الأرض من تحت أقدام الجميع كبارا وصغارا ، لدرجة ان ألجمهم عن الكلام .
فوجئنا مساء أمس بخبر موت أربعة شبان من شباب القرية مختنقين داخل بيارة صرف صحي في أحدي قري مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية ، فبتنا ليتنا مذهولين غير مصدقين لحجم وكنه الفاجعة .
خرجت صباح اليوم مضطرا لقضاء بعض المهام ، جوبت القرية من شرقها لغربها ، فما وجدت غير السكون والسكوت يهيمنان علي شوارعها .الكل مذهول .الكل صامت .الكل شارد الذهن .الكل داعي للموتي !!
السيارات التي لا تتوقف لحظة واحدة في ثانية من نهار سكنت هي الأخري واستعصت علي السير فجعلت الشوارع خالية من المارة وتركت الأجواء خالية لتتسع للدموع التي انسالت بغزارة من عتبات البيوت.
أقام كل بيت سرادق بداخله .. كل أب تلقي العزاء من أفراد أسرته كأنه مصابه هو . أغلقت التلفزيونات وخفتت الأضواء ، حادثة أعادت لنا أجواء حزن زمان أيام ما كانت الراديوهات الترانزستور تغلق عاماً كاملاً من أجل وفاة طفل رضيع في سابع شارع مجاور !!
أربعة شباب خرجوا للعمل بشركة متخصصة في إصلاح أعطال أجهزة الصرف الصحي نزل أحدهم إلى بيارة لإصلاح محبس الصرف الصحي بها ، لكن سرعان ما أصيب باختناق نتيجة للغازات السامة، وعندما حاول زملاؤه مساعدته، نزلوا تباعًا واحدًا تلو الآخر، ليلقوا جميعًا نفس المصير، حيث توفي الأربعة بسبب الاختناق.
أعلم ويعلم غيري أنها إرادة الله ، ولكنه الموت .. الموت الذي يزلزل إسمه كيان قصاة القلوب وغلاظ الأكباد ، والجبابرة منزوعي الإحساس .
نعم الدنيا ملأي بالكوارث والبلايا ، لكنه الموت يتفرد عنها جميعاً ، فقد يفقد إنسان منصبه فتكون له خسارة عظمى، وقد يخسر آخر ثروته فتكون له كارثة كبرى، وقد يقع لأحد مصيبة لا يد له فيها فتكون له نكبة ومأساة، والإنسان في هذه الدنيا يتقلب ويمر بمراحل متعددة ومحن مختلفة، لكن الفاجعة التي لا تماثلها فاجعة، والكارثة التي لا تدانيها كارثة، والمصيبة التي لا تقاربها مصيبة؛ هي فاجعة الموت. لا سيما حينما يكون ضحيته شبابا ، ويكون الفراق جماعياً!!
ومهما كان حجم الفاجعة ، إلا أنها قضاء الله فمن سخط فله السخط، ومن رضي فله الرضا، لأن القدر إذا طلب أدرك، وإذا حكم أمضى. ولا أحد أيما كان نائم على فراشه أو نازلا في حفرة أو صعدا علي جبل بمنأي عنه ، ما أصبح أحد إلا وهو ضيف وماله عارية فالضيف مرتحل والعارية مردودة.
الموت واقع واقع ، لكن العبرة فيما بعد الموت، أفي جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر أم في ضلال وسعر.
ولكن العزاء في أنهم شهداء ، نعم أليست الشهادة إما في سبيل الله أو في سبيل كلمة الحق أو في سبيل الدفاع عن الوطن أو النفس أو المال أو في سبيل لقمة العيش!!
وإني إذ يزلزني الخبر لا أملك بعد الدعاء لهم ، إلا أن أقدم لقريتي خالص عزاءي وكريم مواساتي في فقد ثلة من المكافحين الشرفاء ، وأخص من بين تلك الأسر أسر الضحايا مقدما لهم ابلغ صيغ العزاء التي تهدأ من روعهم ، مبينا لهم أن المصاب والعزاء والألم مشترك، بيننا جميعا دور هذه القرية التي لها مع حوداث الحفر صداقة !!
حتي كتابة هذه السطور لم يعلن في مكبرات مساجد القرية إلا عن تشييع جثمانين من الجثامين الأربعة بعد صلاة الجمعة .
ولو تم الدفن علي مرحلتين لربما يكون في ذلك تخفيف عن كاهل المشيعون الذين أمضوا ليلتهم يتخيلون الوداع الجماعي ويضعون سيناريوهات لعزاء جماعي وليس فرديا باعتبار أن المصاب مصاب قرية وليس مصاب أسر !!
استأذن حضراتكم في الاستئذان للإستعداد لصلاة الجمعة وحضور الجنازات علي أن أوالي حضراتكم بما تبقي منها !!