السبت 21 ديسمبر 2024 12:22 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عصام أبوبكر يكتب: سوريا ما بعد ” الأسد”

الكاتب الكبير عصام أبوبكر
الكاتب الكبير عصام أبوبكر

سقط "الأسد" الطاغية وسقطت معه حقبة من أسوء الحقب في تاريخ سوريا حيث شهد السوريون في الثامن من ديسمبر يومًا تاريخيًّا بسقوط نظام امتد لأكثر من ستة عقود، بعد صراعات ومعارك دامية خلال العقد الأخير، أدت إلى نشوء تنظيمات مسلحة وموجة لجوء هي الأكبر في التاريخ الحديث.النظام الذي هيمن لستة عقود ظلامية علي سوريا حكم فيها الأسد الشعب السورى بالحديد والنار كما جعل بلاده مرتعا ومسرحا للتدخل الأجنبي من كل دول العالم كما قال أبن خلدون" الطغاة..يجلبون الغزاة"

انهار هذا النظام الطاغية في 11 يومًا فقط، بعد هجوم مفاجئ للفصائل المسلحة في الـ27 من نوفمبر الماضي، حيث تهاوت المدن السورية الرئيسة واحدة تلو الأخرى، بدءًا من حلب ثم حماة وحمص وصولًا إلى دمشق.ومع توسع سيطرة قوات المعارضة السورية على عدة مدن في أنحاء سوريا، تهاوت سجون النظام السوري مع ظهور فيديوهات تظهر اقتحام الثوار لعدد من السجون السورية لتنهي بذلك فترة من أسوء الفترات التي مرت علي سوريا .
ومع الإعلان عن إسقاط النظام يبرز السؤال الأهم..ماذا بعد سقوط بشار الأسد..؟؟

بعد سقوط الأسد ودخول المعارضة "دمشق "العاصمة أعلنت المعارضة نيتها تشكيل مجلس عسكري لإدارة البلاد، مع ضمان انتقال سلس للسلطة من الحكومة الحالية، حيث أكد رئيس الوزراء السوري محمد غازي الجلالي استعداد حكومته للتعاون لتأمين انتقال منظم يحافظ على مؤسسات الدولة

ومع ذلك فإن تعقيدات المشهد السوري تزداد بفعل اختلاف الأيديولوجيات بين الأطراف المسيطرة، إضافة إلى التحديات التي تواجه الأقلية العلوية بعد انهيار النظام.في الوقت الذي يبدو فيه أن النفوذ الإيراني وحزب الله في سوريا قد انتهى فعليًّا، حيث كشفت صحيفة " نيويورك تايمز " الأمريكية أن الحكومة الإيرانية بدأت بسحب قواتها وقياداتها الميدانية من سوريا مؤكدة أن المذكرات الداخلية التي صدرت عن الحرس الثوري الإيراني أوضحت قبول إيران بالامر الواقع وتوقفها عن المقاومة نتيجة للوضع الغريب و"غير المعقول» كما انسحبت من مدينة القصير السورية على الحدود مع لبنان قبل فترة وجيزة من سيطرة قوات المعارضة عليها وأزيلت رموزهم وصور قادتهم من السفارة الإيرانية في دمشق،وتم أقتحامها وتدميرها بعد سيطرة المعارضة على العاصمة وإعلانها دمشق "مدينة حرة"، ودعوة اللاجئين للعودة إلى سوريا الجديدة

السيطرة على الأراضي السورية الأن باتت مقسمة بين قوتين رئيستين، حيث تسيطر هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع المعروف بـ"الجولاني" على المدن الكبرى والساحل الغربي، فيما بسطت قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، بقيادة مظلوم عبدي، التي بسطت نفوذها على مناطق واسعة شرق الفرات، مدعومة من واشنطن وعلاقات متينة مع إسرائيل؛ ما يمهد الطريق لها لتحقيق طموحها في إقامة دولة كردية على غرار إقليم كردستان العراق

قد يحدث تقاتل بين الجماعتين الاسلاميتين المُسلحتين علي حكم سوريا الفترة المُقبلة قوات سوريا الديمقراطية " قسد " التي تسيطر علي أماكن شاسعة شرق الفرات وهيئة تحرير الشام التي يقودها أحمد الشرع " الجولاني" والمدعومة من تركيا والتي تسيطر علي المدن الكبري والعاصمة والساحل السورى لكن هذا القتال لن يستمر طويلا وقد ينتهي سريعا لصالح الجماعة المدعومة من تركيا نظرا لسيطرة تركيا الكاملة علي جميع الفصائل المُسلحة وارتباطها "الوثيق" بهذه الكيانات القابلة للسيطرة.

يعتقد أن الجماعات المسلحة ذات الأيدلوجية الأسلاميه والمدعومة من تركيا هي من سيحكم سوريا الفترة المقبلة بأعتبارها أقوي الفصائل المعارضه علي الساحة عدة وعتادا وتنظيما وتوافقا مع الدول الأقليميه والعالمية والمقبوله دوليا باعتبارهم الفصيل الإسلامي المؤهل "سياسيا" لحكم سوريا ما بعد الأسد وبإعتبارها هي من أسقطت "الأسد"
وستكون تركيا اللاعب الرئيسي باعتبارها الداعم الأول لهذه الفصائل والراعي الرسمي لمرحلة سوريا ما بعد " الأسد " لإرتباطها المباشر بالواقع السوري وتفاصيله بإعتبارها جارة سوريا الكبري فضلا عن التوافق السياسي والفكري بين الجماعات المعارضة والدولة التركية، والتي من المنتظر أن تُقدم الحكومة السورية الجديدة للعالم وتعمل على دعمها أمام المجتمع الدولي.

الولايات المتحدة تحت رئاسة ترمب قد تقبل بحكومة سورية ذات مرجعية إسلاميه اذا ضمنت هذه الحكومة مصالح أمريكا في سوريا وأولها الاحتفاظ بقواعدها في سوريا والسيطرة علي أبار النفط السورى وقد صرح مسئول أمريكي أن الولايات المتحدة قد ترفع " هيئة تحرير الشام " من قائمة الإرهاب دعما لأستقرار سوريا كما سيتم التعامل معها دوليا وعربيا وبموافقة جميع دول الجوار السوري ليكون لـ "الإسلاميين" في المنطقة العربية "دولة" تخفف من العداء للولايات المتحدة وأوروبا من ناحية بسبب الدعم السابق للأنظمة العربيةومنها نظام الأسد ومن ناحية أخرى ستتعامل معها لملء الفراغ الذي تتركه ايران في منطقة الشام

كما سيعمل حكم الجماعات الإسلامية لدولة كبيرة مثل سوريا علي إحتواء القضية الفلسطينية وتفريغها من مضمونها، بما يحق الأمن لـ إسرائيل، باعتبار أن فصائل المُقاومة الفلسطينية غالبيتها العظمي "إسلامية"ومن ثم امتلاكها كوسيلة ضغط علي حماس وحركات المقاومة في "غزة" لتنفيذ مخطط التهجير للفلسطينيين والذى فشل حتي الان رغم انه هو الهدف الرئيسي لحرب التدمير في غزة والذى اتخذت 7 أكتوبر زريعة لتنفيذه لذا فمن المُرجح جدا أن تكون سوريا بعد حكم اللإسلاميين بديلا استراتيجيا لتحقيق "الوطن البديل" للفلسطينيين بجانب الأردن حيث يذهب فلسطينيين غزة إلي سوريا وفلسطينيين الضفة الي الأردن

كما أن سقوط النظام السوري هو إمتداد لموجه ما يسمى بـ "الربيع العربي" الذي اندفعت موجته الأولي بإسقاط النظام العراقي، ثم الثانية بسقوط الأنظمة في تونس ومصر واليمن وليبيا، والرابعة بسقوط النظام السوداني، وهو المخطط الاستراتيجي الذي تم إعلانه رسميا من جانب الإدارة الأمريكية عقب أحداث ١١ سبتمر وهو مخطط كونداليزا رايس " الفوضي الخلاقة " لتفكيك الشرق الأوسط
والذي هو إمتداد لمخطط "برنارد لويس" عبر تغيير الأنظمة العربية الحاكمةعبر ثورات داخلية علي أن تخلق الثورات الداخلية أنظمة حكم "مختلفة" ذات مذاهب طائفية

منها النظام الاسلامي "السني" في سوريا والذي سيقوم باحتضان ميليشيات متطرفة لتكوين حرس ثوري سورى "سني" بجانب الجيش النظامي الذي ستصبح مهمته الأولى حماية الثورة ومجابهة الحرس الثورى الإيراني" شيعي"ولا مانع أن يبدأ من تنفيذ عملياته القتالية ضد ميليشيات الحشد الشعبي في العراق لمطاردة فلول ايران الإرهابية، ولا مانع أيضا من إرسال قوات "الحرس الثوري السوري" الي اليمن لقتال الحوثيين الشيعة وإنهاء الوجود الإيراني بالكامل في المنطقة وهو هدف رئيسي بتقليم أظافر إيران في المنطقة لتحجيمها في محيطها المحلي والقضاء علي المشروع الفارسي

ما يحدث في سوريا هو تنفيذ مشروع برنارد لويس الصهيوني الأميركي الذي يتضمن تقسيم الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة إثنية ومذهبية وطائفيه تقتتل فيما بعضها البعض لحماية المصالح الأميركية وإسرائيل ويرى برنارد لويس أن كل الكيانات ستشلّها الخلافات الطائفية والمذهبية،ومن هنا جاءت فكرة القتال بين السنه والشيعه بتغذية الخلاف وتأجيج الفتنه بينهما

ويبقي الهدف الاستراتيجي من السماح لـلجماعات الاسلامية من حكم دولة بحجم سوريا هو تكوين "دولة سنية متطرفة"(سوريا) لمواجهة "دولة شيعية متطرفة" (إيران) وبالتالي تغرق المنطقة في أمواج صراعات وحروب لا تنتهي؛ لتبقى إسرائيل ومعها الغرب في مأمن من أخطار الشرق "المنكوب"، والمستفيد الأول هو إسرائيل لأنها بهذا ستبعد الأنظار عما يحدث في غزه ويبعد الضوء عنها رغم أنها هي اصل الصراع وبصمت وبعيدا عن الاعلام سيبدأ تهجير الفلسطينيين من غزه فيما يطلق عليها "الحرب الصامته "، كما سيكون هناك صراع على النفط والمياه والحدود والحكم بين كل هذه الكيانات ، وهذا ما سيضمن تفوّق إسرائيل في الخمسين عاما القادمة على الأقل.