شحاته زكريا يكتب : سوريا.. حكاية وطن بين صراع الماضي وأمل المستقبل
الجارديان المصريةسوريا.. الاسم الذي كان ذات يوم عنوانا للحضارة والتاريخ، صار اليوم رمزا للمأساة والتفكك. إنها مأساة وطن أُنهك بفعل تراكمات الحروب والصراعات، أفرغت الأرض من ناسها، وقلبت حاضرها ، حتى بات المستقبل غامضا أكثر من أي وقت مضى. سقوط النظام السوري لم يكن مجرد نهاية حكم بل إعلانا لانهيار منظومة بأكملها منظومة استندت على العنف والترهيب وسوء الإدارة لعقود طويلة، إلى أن تحوّلت الأرض السورية إلى ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات.
في الحقيقة لم تكن الحرب وحدها السبب ، لكنها كانت الوقود الذي أحرق كل شيء. فقد ساهمت عوامل داخلية وخارجية في تسريع انهيار هذا النظام الذي حكم بقبضة من حديد. الاستبداد الذي اعتقد أنه يستطيع البقاء إلى الأبد بقوة البطش ، لم يترك للسوريين سوى خيار الرحيل أو الموت، فهرب الملايين نحو حدود العالم حاملين معهم ذكرياتهم وآلامهم ووطنهم الذي ضاع بين صراعات الطوائف وتدخلات القوى الكبرى.
اليوم ومع سقوط النظام يظهر السؤال الأهم: *وماذا بعد؟* فالسقوط لا يعني بالضرورة بداية جديدة ، بل قد يكون مرحلة أشد تعقيدًا. الفراغ السياسي قد يفتح أبوابا لفوضى أوسع حيث تتصارع القوى المتنافسة على النفوذ. الداخل السوري موزّع بين طوائف وإثنيات وأيديولوجيات متناقضة، كل منها يسعى لفرض وجوده، بينما الأرض السورية ما زالت ساحة نزاع إقليمي ودولي.
المخاوف اليوم ليست فقط على حاضر سوريا بل على مستقبلها الذي يُراد له أن يكون رهينة المصالح الأجنبية. كل طرف يتطلع لتحقيق أهدافه: تركيا تبحث عن نفوذها الجغرافي والأمني ، إيران تحاول الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية، وروسيا وأمريكا تتنازعان على موقع في معادلة القوى العالمية. أما المواطن السوري البسيط ، الذي دفع الثمن الأكبر فهو وحده من يدرك حجم الخسارة لأن الحرب لم تسرق منه وطنه فقط بل سرقت أحلام أجيال كاملة.
لكن السؤال الأصعب الذي يطرحه هذا المشهد هو: هل يستطيع السوريون بناء سوريا الجديدة؟ ، سوريا التي تضم الجميع دون إقصاء أو تهميش. إن إعادة بناء سوريا ليس مجرد مشروع سياسي أو اقتصادي، بل هو مشروع وطني كبير يحتاج إلى عزيمة الشعب السوري قبل أي شيء آخر. فالحوار بين أطياف المجتمع السوري لا بد أن يكون هو الأساس، ليعود السوريون كما كانوا يومًا: نسيجًا واحدًا مهما اختلفت مذاهبهم وأعراقهم.
كما أن الدور العربي لا يمكن تجاهله، فسوريا جزء لا يتجزأ من قلب الأمة العربية. على الدول العربية أن تساند السوريين في إعادة إعمار بلدهم ليس بالمال فقط، بل بمشروعات سياسية حقيقية تضمن انتقالًا سلميًا وديمقراطيًا للسلطة بعيدًا عن أطماع القوى الخارجية.
في النهاية لا يمكن لأحد أن ينكر أن سوريا تواجه أصعب فصول تاريخها. لكن التاريخ نفسه علمنا أن الأوطان لا تموت، وأن الشعوب قادرة على النهوض مهما طالت المأساة. قد تسقط الأنظمة، وتُهدم البنية، لكن ما يبقى دائمًا هو الإنسان. فإذا استطاع السوريون أن يؤمنوا بأنفسهم وبقدرتهم على التغيير، فإن سوريا الجديدة ستولد من تحت الركام لتعود كما كانت.. منارة للحضارة وقوة تجمع العرب لا تفرقهم