دكتور عوض الغبارى يكتب : المبادرة الرئاسية ” بداية ” وبناء الإنسان المصرى
الجارديان المصريةيتصل هذا الموضوع بالقدرات الناجحة للتخطيط والتنظيم اللازم لتحقيق الهدف والسعادة بذلك بما يحقق الرضا النفسى واستمرار الدافع لمواجهة صعوبات الحياة والقدرة على التكيف مع الذات والمجتمع.
والنزوع الفردى الساعى إلى العمل المنظم يدعو صاحبه إلى الإسهام فى منظومة الحياة إسهاماً إيجابياً. والانضباط والجدية والنظام عماد الشخصية التى تتمكن من تحقيق نتائج طيبة وأعمال نافعة وأفكار هادفة. وكلما ازدادت الضغوط الإنسانية والمشاكل الإنسانية ازداد الاحتياج إلى سواعد البشر المنتجين المنضبطين المؤثرين فى المجتمع، خاصة قطاع الشباب. ونحن فى مصر نواجه الكثير من الأعباء الاقتصادية والأطماع السياسية الساعية إلى إضعاف الدولة داخليا وخارجياً.
ولا شك أن لدينا من أبناء مصر مَن يُعتمد عليه فى مواجهة ذلك، ولدينا عباقرة فى العلوم والفنون والآداب، ولكنهم لا ينتظمون فى مجموع دافع إلى درء المصاعب والأخطار التى تواجهنا.
ونحن فى حاجة إلى العمل بمنظومة تتضافر فيها الجهود الداعية إلى الإفادة من الشباب – خاصة – وهم قوة لم نستفد من قدراتهم الكاملة بعد.
وبهذا تتطور الأوضاع إلى الأفضل، وينتقل أثرها الإيجابى من الخاص إلى العام أساساً لمجتمع متحضر له ثقافته المواكبة للعالمية.
ولاشك أن إدارة الوقت وتنظيمه واستغلاله الاستغلال الأمثل فضيلة إنسانية تحث عليها الأديان. واستراتيجية تنظيم الوقت مرتبطة بطموح الإنسان الحريص على بناء شخصيته النافعة لذاته ولمجتمعه، والسعى إلى تنمية الاتجاهات الثقافية التى تتسم بها المجتمعات المتحضرة فى العالم.
والدراسة النظرية للتنمية البشرية مفيدة جداً فى تحقيق هذه المنظومة المرجوة لمجتمع يسعى إلى التفاعل مع مستجدات التقدم والتحضر بناء على العلم والثقافة وبناء الذات بناء سليماً فى إطار من المحفزات العامة من تشجيع المتفوقين، والاستمرار فى دعم المنتجين مادياَ ومعنوياً.
ولاشك أن الفرد المنتج الذى يحقق ذاته بعمله المثمر يحتاج إلى محيط عام يحفزه على المضى فى عمله المفيد، ولا يعرضه للإحباط إذا اختل المعيار بمكافأة مَن لا يستحق، وتجاوز المستحق. والكلام فى التنمية البشرية كثير ومفيد، والعمل به فى حاجة إلى شحن الطاقات للعمل الميدانى المثابر المستمر المواجه للإحباط، الساعى إلى تجاوز الأزمة والصبر عليها بأمل فى الله، وخطى واثقة إلى مستقبل أفضل.
وقد حبانا الله بموارد طبيعية وبشرية غنية فى مصر، ولعلنا فى حاجة ماسة للاستفادة
منها عن طريق كتائب العمل الجاد المخلص الأمين لتحسين سبل الحياة والدفع بآمال المصريين إلى ما يصبون إليه ويستحقونه من الاستمتاع بحياتهم، والرغد فى عيشهم.
وتعداد السكان فى مصر كبير يعوق فرص التنمية والرخاء، ولكنه يمكن أن يكون وسيلة لحفز المصريين على العمل المستمر لتحسين نواحى الحياة . ونحن فى أشد الحاجة إلى التنظيم والتخطيط والعمل المتنامى المستمر فى نظام يضم الجميع حول تحقيق الهدف الأسمى من الاستقرار والرخاء.
والفرق بين إهمال حوافز العمل، والإفراط فيها كبير، فالعالم المتقدم مع انضباط دوافعه للعمل المستمر قد يتحول إلى آلة، وكثيرا ما يشتكى من غياب التلاحم الإنسانى والترابط الاجتماعى بسببها.
ومجتمعاتنا التى تتكاسل فى بناء منظومة العمل الجاد، وتهدر كثيرا من الوقت والطاقة يجب أن تستفيد من الروابط الإنسانية والاجتماعية الجيدة فتنطلق إلى التقدم بهذا التوازن بين المعطيات الإنسانية الإيجابية، واعتدال الطبيعة، وتوافر قوى الشباب العاطل عن تقديم طاقاته الإيجابية، فإذا عزم هؤلاء الشباب على العمل الجاد المستمر المثمر البناء فإن الأوضاع سوف تسير بنا إلى تحقيق كثير مما نتمناه فى حياتنا الحاضرة والمستقبلية.
وحضارتنا المصرية العربية الإسلامية تملك فى تاريخها العريق هذه المنظومة التى تُقدِّر جهود الإنسان وعمله الجاد وإتقانه له.
كما أنَّ حقوق الإنسان مكفولة فى إطار هذه الحضارة، وشواهد التاريخ ماثلة أمامنا محققة ظواهر حضارية إنسانية عظيمة قرونا طويلة من الزمان. لكننا الآن فى حاجة إلى استدعاء هذا التاريخ للعمل على هَديه دون انفصام بين القول والعمل، أو ارتكان إلى الماضى دون عمل للحاضر والمستقبل. والسعى إلى ذلك لا يأتى طفرة، ولا يتحقق دون العمل على جمع ما تحقق من إيجابيات والسعى بها إلى التنامى المستمر وفق تخطيط زمنى يؤدى الأول به إلى الآخر فى بناء قوى قادر على مواصلة الإنجاز.
إن فى مصر مخترعين من الشباب، وجامعات متقدمة، وأقاليم بها كليات للذكاء الاصطناعى فلماذا نترك القطاع الأكبر من الشباب المصرى منكبا على إهدار الوقت، أو لماذا يتركون هم هذا الطريق المؤدى إلى استثمار الوقت لصالح أنفسهم ومجتمعهم وهم قادرون على ذلك ؟.
إنَّ من أخطر العيوب تقاعس الإنسان عما يستطيع إنجازه، خاصة فى مرحلة الشباب.
وقد قال المتنبى، وهو نموذج الإرادة والقوة فى تحقيق الذات، ومواجهة الشدائد:
ولم أر فى عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام
وكيف لا نرى رسالات الأنبياء والعلماء الصالحين والأدباء الأجِلَّاء وقد انبنت على العمل الخالص لوجه الله فى بناء مجتمع فاضل، وتجلَّت فى حياتهم فضائل الصبر على الشدة والعمل
على مواجهة الصعوبات، والثقة فى النفس والإيمان بنصر الله؟
وكيف لا نتأسى بسير العظماء قديماً وحديثاً فنقتدى بهم على هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جهاد النفس والعمل. والنماذج التى شقت الطريق بعد الظلام إلى النور بفضل المثابرة والكد والجد والاجتهاد والمواصلة للعمل كثيرة لا حصر لها قديماً وحديثاً.
وهذه رسالة موجَّهة إلى الشباب الذين لا يغارون من القلة العبقرية النابغة التى تمر بنا مدعاة للفخر والاعتزاز.
انظر إلى نصر الله لجنده وإن قلَّ عددهم ولم تضارع عدتهم فى الحرب ما امتلكه أعداؤهم، وقد جاء نصر الله والفتح لعباده المؤمنين رغم ذلك بفضل إخلاصهم وصبرهم وإن النصر مع الصبر. لماذا لا يندفع الشباب إلى القراءة والثقافة مع سهولة مصادرها الآن قياسا إلى ما سبق ؟.
ولماذا لا يستفيدون من هواتفهم المحمولة علما وعملا. لماذا لا يكون اهتمام الناس قدر اهتمامهم بأخبار الرياضة والفن فيستكملون ما غاب عن اهتماماتهم من جوانب أخرى مفيدة فى مجالات العلم والتعليم والثقافة والفن والأدب ؟.
ولماذا لا ننمى قدراتنا العملية فنتعلم ما يمكننا تعلم إصلاحه من الآلات والأجهزة المتصلة بحياتنا.
إننا بحاجة إلى تعلم ثقافة كبرى طويلة المدى لنصلح من أمورنا، كل فى مجاله دون تواكل أو تخاذل أو تقاعس عن واجب الحياة الكريمة التى هى أعز ما يملك الإنسان رقيا وأمنا ذاتيا ومجتمعياً وتحضرا مدنيا وأملا فى حياة أفضل بالأمل والعمل.