شحاته زكريا يكتب : غزة.. جرح الإنسانية المفتوح
الجارديان المصريةوسط ضجيج الأحداث العالمية وتلاحق الأزمات تظل غزة شاهدة على عجز العالم وانهيار منظومة العدالة الإنسانية. هذه البقعة الصغيرة ، المحاصرة منذ سنوات ، أصبحت رمزا للمعاناة المستمرة حيث لا نهاية في الأفق للألم الذي يعيشه أهلها ولا مكان للرحمة في قواميس القوى الكبرى.
في الأيام الأخيرة من عام 2024 ، تصدرت التقارير الأممية المشهد لتذكرنا بمأساة أطفال غزة ، أولئك الذين يحاصرهم الموت من كل جانب ، بين غارات عنيفة ونقص في الغذاء والدواء والمأوى. تقارير مثل تلك الصادرة عن اليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي تؤكد أن حياة أكثر من مليوني إنسان في غزة أصبحت معطلة بالكامل، بينما العالم يشاهد بصمت مخز وقد تحول الضحايا إلى أرقام في نشرات الأخبار لا أكثر.
كانت غزة فيما مضى محور اهتمام عالمي فالمظاهرات والاحتجاجات التي اجتاحت العواصم قبل سنوات خلت تبدو اليوم مجرد ذكرى باهتة. تحولت القضية إلى ملف ثانوي في أجندة دولية منشغلة بصراعات أخرى في سوريا والسودان واليمن. لقد اختفت الشعارات الرنانة عن العدالة وحقوق الإنسان من المشهد، تاركة غزة وأهلها يواجهون مصيرهم وحدهم في هذا الشتاء القاسي.
لا يمكن الحديث عن هذه المأساة دون التطرق إلى مسؤولية القوى العالمية الكبرى. الولايات المتحدة وأوروبا ، اللتان طالما دافعتا عن حقوق الإنسان، أصبحتا شريكتين في هذا الظلم ، بالصمت والتواطؤ. أما إسرائيل فهي الوجه الصريح للبطش؛ إذ لم تعد تخشى أي عواقب مستغلة انشغال العالم بانهيارات أخرى لتكمل مشروعها في تدمير حياة الفلسطينيين، معززة حلمها القديم بتحويل غزة إلى أرض خاوية من سكانها.
في ظل هذا الواقع يبدو أن الشعوب العربية المنهكة بصراعات داخلية وحروب أهلية لم تعد قادرة على الدفاع عن القضية المركزية التي توحدت حولها يوما ما. مصر التي تبذل جهودًا جبارة لاحتواء الموقف، تقف وحدها تقريبًا أمام هذا التيار الجارف بينما تعيش بقية دول الجوار في حالة شلل سياسي واقتصادي يجعلها غير مؤهلة لأي دور مؤثر.
لكن وسط هذا الظلام الحالك تظل هناك بصيصات أمل في المبادرات الشعبية والمواقف الإنسانية التي تظهر من حين إلى آخر. الأفراد لا الحكومات هم من يحملون شعلة التعاطف والمساندة وهم الأمل الوحيد الذي يمكن أن يمنح غزة فرصة للبقاء.
إن ما يحدث في غزة ليس فقط مأساة فلسطينية، بل فضيحة إنسانية عالمية. استمرار الصمت الدولي يعني استمرار هذا الجرح المفتوح الذي لن يلتئم إلا إذا اجتمع العالم حول مفهوم حقيقي للعدالة، مفهوم يتجاوز المصالح السياسية والاقتصادية إلى جوهر الإنسانية. وحتى يحدث ذلك ستبقى غزة رمزا للألم الذي يُذكّر الجميع بأن الكرامة الإنسانية ليست سلعة تفاوض عليها الدول، بل حق لا يمكن التنازل عنه.