خالد درة يكتب: بالعقل أقول…( أيتها الـ2024 إرحلى غير مأسوف عليكى )
الجارديان المصريةقد يكون ما سيكتب في هذه الزاوية اليومية من كلام عن سنة مضت وأخرى أطّلت شبيهة بما كُتب عنها فى السنة الماضية أو تلك التي قيلت على مدى سنوات و سنوات . ولكن ما يمكن أن تأتي به هذه الأسطر من جديد هو الإجماع على اعتبار سنة 2024 هي الأسوأ بين السنوات السيئة .. يحاول المرء أن يفتش عن أسباب تخفيفية لهذه السنة المشؤومة فلا يجد سوى البؤس ، والحزن ، والخراب ، والانهيار .. فقد أحاط بنا الدمار من كل جانب ، فى غزة ﻭ السودان و ليبيا لبنان ﻭ أخيرا سوريا . فقد شملنا ما يحدث فى المنطقة بالحزن والخزى و العار ، فقد إنتكست قوى العرب أمام بنو صهيون عن وقف حرب إجرامية على غزة الفلسطينية و أتسعت الحرب فكانت إبادة جماعية لأهل غزة الأبطال .. فلا هدنة مضمونة النتائج ومستدامة ، ولا شيء إيجابي يلوح في الأفق ولا أمل في الخروج من دوامة الأزمات ..
وإذا أراد كل واحد منا أن يبحث عن بصيص ضوء أو أمل بغدٍ لا أحد يعرف كيف سيكون فلا يجده ، حتى أن ما يخبئه المستقبل من مفاجآت قد يكذّب المنجمين والبصارين وقارئي الفنجان أو الضاربين بالرمل ..
هي أمنيات وليس أكثر من ذلك. هي أمنيات تتشابه ونحملها من سنة إلى أخرى على أمل أن يتحقّق منها ولو عشرة في المئة ..
وفي مطلع كل سنة جديدة نعيد التمنيات ذاتها ، ونحاول أن نحمّلها أكثر من قدرتها على الاحتمال .. نلقي على أكتافها همومنا ومشاكلنا وأحلامنا وحقّنا بالعيش الكريم .. ومع توالي أيام السنة الجديدة تبقى التمنيات مجرد تمنيات نحاول من خلالها تجميل الواقع ، أو بالأحرى رفض ما في هذا الواقع من بشاعات غير مرتبطة بدورة الأيام العادية ..
كثيرة هي التمنيات التي نحمّلها كل سنة لكل سنة تأتي طبيعيًا ومن دون استئذان ، بعد أن نكون قد أنزلنا بالسنة التي تمضي كل ما لدينا من نعوت بشعة ، وهي التي كنا نعلق عليها الآمال .. فلا السنوات التي ودّعناها كانت كلها سيئة ، ولا كل السنوات التي كنا ننتظرها بشغف وشوق حملت لنا ما حمّلناها إياها من تمنيات ، وإن كانت أحيانًا غير واقعية وغير منطقية ..
ليس سهلًا علينا أن نعي أن كل لحظة تمضي لن تعود مرّة جديدة ، لتنضم إلى السلالة الكونية في دورانها التجدّدي في مدار توالي السنين ، وهي سنّة التواصل بين ماضٍ لم يعد سوى ذكريات ، وبين حاضر لا يدوم سوى لحظات ، ومستقبل لا يعرف أحد منا ما يخبئه له من مفاجآت ، سارةً كانت أم حزينة ..
فهذه الجدلية القائمة بين دورة الأيام ، بين شروق الشمس ومغيبها ، هي ما تعطي لماضينا معنىً عبر مسلسل حياة عبرت بسرعة وكأن ما عشناه قبل سنوات هو كالأمس الذي عبر .. ولكن أحلى ما في هذا الماضي أنه كان لنا فيه أحبة أصبحوا ذكرى وأغنية لم ينظمها شاعر ولم يلحنها موسيقي . وأجمل ما في الحاضر أنه جسر من "حبال هواء" تربط بين ما مضى وبين ما هو آتٍ ..
عندما يتعانق عقربا الساعة عند منتصف ليل 31 ديسمبر و 1 يناير تنتهي سنة كثُرت فيها خيبات الأمل لتبدأ سنة جديدة سنحمّلها أكثر مما تحتمل ، في لعبة الهروب من واقع مرير إلى المجهول ، الذي سينضم بعد 365 يومًا إلى نادي الأيام الضائعة والتائهة في ما يُسمى الماضي ، وهي أيام لن تعود إلا ذكريات ، جميلة كانت أم بشعة ، فرحة أم حزينة ..
هي جدلية تتكرر مرّة كل سنة. ومعها تدور دورة الأيام الرتيبة حتى يُخيّل للمتأمل في الأسرار الكونية أن اللحظات الجميلة لا تدوم طويلًا ، وذلك لكثرة ما في وقائع الحياة من ترسبات الماضي .. ويكفي ألا يكون الذين كانوا يملأون دنيانا بهجة وفرحًا غير حاضرين اليوم إلاّ في الوجدان لنكتشف كمّ هي قاسية دورة الحياة .