د.عادل القليعي يكتب : مواقف في حياتنا من الشارع المصري تحتاج وقفات.... ووقفات.!
الجارديان المصرية.
لا شك أن الإنسان طيلة حياته يتعرض لمواقف كثيرة ، مواقف ايجابية ، أو مواقف سلبية تجعله يفقد الثقة في من يتعامل معهم أو يكاد أن يفقدها.
مواقفة كاشفة ، تكشف لنا مع من نتعامل ، تكشف الأخيار الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ، وتكشف لنا الصنف الآخر الذي يغلب مصلحته على مصالح الآخرين ، "نفسي نفسي".
وهذا دليل دامغ على تغير سيكلوجيات الطبائع البشرية ، فالبشر دائمو التقلب والتحول ، بل وإن جاز لنا القول التناقض ، الفعل وعكسه في وقت واحد ، فعلى سبيل المثال ينقد وينقد فلان وفلان لأنه مغال في أمر ما ، ومجرد ما أن يتواصل معه هذا الشخص مقربه إليه ، تجده على الفور يغير رأيه وتجده يمحده بأجمل العبارات "المصالح تتصالح"، فبئس المصالح بضم الميم ، وبئس المصالح بضم الميم وفتح الصاد.
شاهدنا ذلك في مجتمعنا المصري ، خصوصا مجتمع الجامعات، تجد شخصان بينهما عداء امتد لسنوات طويلة ، وفجأة تجدهما يتصالحان لا من أجل الصلح والسلم الاجتماعي والسلام النفسي وهدوء الاقسام العلمية لإثراء العملية التعليمية ، وإنما يتصالحا ليتحدا ضد زميل ثالث لهما لمجرد أنه خالفهما فى الرأي ، أو حاول أن يقسم بالسوية ويعدل بين الناس في توزيع مواد تدريسية مثلا ، أو خلاف ذلك.
قيسوا على ذلك باقي المصالح الحكومية ، سياسة المداهنة والنفاق ، وحمل الحقائب ومسح الكراسي ، والتأييد والمباركة على كل صغيره وكبيرة ، حتى لو كان مديره يقول" ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد"
حتى وإن كان ما يقوله سيقول إلى الهلاك ، لكن مصلحته وأنانيته تجعله يداهن ويساير على طول الخط.
وللأسف هو يعلم أنه منافق ورئيسه يعلم أنه مداهن ، لكنه من أنصار النفخة الكاذبة ، يحب أن يمتدحه الآخرون حتى بما ليس فيه ، لكنه يحب الثناء حتى يداري على أخلاقه وفشله ، ومجرد أن يجد من ينافقه يقربه إليه ويغدق عليه العطاء ، وتلك هي بطانة السوء التي حذر منها الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا)، وكذلك حذر النبي صل الله عليه وسلم من هؤلاء وأمثالهم ، ففساد الدول والأمم لا يكون إلا من خلال هؤلاء.
فهؤلاء ومن شايعهم ومن على شاكلتهم ، يبدون من طرف اللسان حلاوة ويروغون منا كما تروغ الثعالب.
كثيرة هي المواقف السلبية التي نتعرض لها في شوارعنا المصرية فعلى سبيل المثال ، مجرد أن يشتم صاحب المتجر أيا كانت تجارته ، بقالة ، أدوات كهربائية ، خضروات وفواكه ، صيدليات "أدوية المرضى"، مجرد أن يشتموا خبرا ، وإذ بهم يرفعون الأسعار ، أو يحتكرون السلع .
كيف حتى الدواء يتم احتكاره ، تكون علبة الدواء مسعرة من شركات الأدوية ، وإذ بصاحب الصيدلية ، يضع قصاصة ورق صغيرة مكتوب عليها سعر آخر ، أضعاف أضعاف السعر الأصلي ، على الرغم من أن الدواء موجود (قديم)، يملأ الأرفف وليس جديدا.
لكن الجشع قاتله الله ، ملة واحدة.
وإذا ما تم إبلاغ جهاز حماية المستهلك ، تأتيك رسالة إلكترونية شكرا على تواصلك معنا سنبحث الشكوى ، وقد يموت المريض ولا تبحث الشكوى ، أو نغلب على أمرنا ونشتري الدواء بالسعر الذي حدده هؤلاء الجشعى.
والأغرب من ذلك أن التليفونات تشتغل الكل يبلغ بعضه فتذهب إلى صيدلية أخرى ، فتجد تكت جديد بسعر جديد ، إنها مافيا تجارة الأدوية.
كذلك من الموقف المخزية التي يندى لها الجبين ، أنك تذهب إلى المشفى لصرف علاجك ، تجد حول المستشفى تجار الدم الذين يبيعون دمائهم بثمن بخس منهم من يبيع ليشتري حقن ماكس أو شرائط مخدرة ، وللأسف الشديد منهم من يبيعه لعوزه وحاجته إلى الطعام لأهل بيته.
والأدهى والأمر من ذلك أولئك الذين يبيعون أعضاءهم كمن يبيع كليته عن طريق سماسرة يجلسون على المقاهي أمام المشافي.
ومن المواقف المحزنة أنك تكون ماشيا في الشارع وإذ بسيدة تصرخ بأعلى صوتها ، ألحقونا هذا الشاب ، خطف طفلة وجري بها ولولا عناية الله محيطة بهذا الطفل أو الطفلة ولحقها المارة ، لكانت ذهبت أو ذهب إلى مصيرها ، قتلهما وأخذ أعضائهما
كذلك من المواقف المشينة التي هي غريبة على شوارعنا وعلى عاداتنا وتقاليدنا ، السلبية
واللامبالاة ، فتكون ماشيا في الشارع وتجد مجموعة من الشباب يتحرشون بفتاة أو سيدة والمارة يتفرجون ، وكأن نخوة الرجال فارقتهم.
أيضا من الأمور المخزية المحزنة أنك تكون ذاهبا إلى الصلاة فتجد المقاهي مملوءة عن بكرة أبيها بالشيوخ والشباب والصبية ينتظرون مباراة كرة القدم والمساجد تأن وتشتكي من قلة روادها.
والأدهى والأمر ، والله إنها لأحدى الكبر ، تجد بعض الشباب يقفون بجوار المسجد وسجائر البانجو والحشيش دخانها يملأ المسجد ، وإذا ما تحدثت تسمع قلة الأدب والبلطجة.
هذه بعض المواقف الغريبة والدخيلة على مجتمعنا المصري وللأسف الشديد امتد خطرها إلى قرانا وإلى الأرياف.
فما الذي حدث لمجتمعنا المصري ، ما الذي حدث لقيمنا وأخلاقنا ، ما كل هذا الانحطاط الأخلاقي والتدني القيمي .
لابد من وقفات مع النفس ، لابد من مراجعة ومحاسبة دقيقة ، فليس هذا ما علمنا إياه رسولنا الكريم صلى الله عليه.
رسولنا علمنا القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة.
#أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.