الإثنين 6 يناير 2025 08:22 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

فادي سمير يكتب : جدلية العلاقة بين الأصالة والمعاصرة فى الفن

الكاتب فادى سمير
الكاتب فادى سمير

إنَّ ليس كل ما نراه في هذه الأيام قادرًا على إقناعنا بأنَّه حقيقي أو بمعنى أدق أصيل، فدائمًا ما يثير هذا السؤال الذهني: هل كل ما هو قديم أثري أصيل أم أننا فقط في هذه الأيام، بسبب الضغوطات الحياتية المتزايدة، لم تعد لدينا القدرة على التعبير كما كنا سابقًا؟ فإنني أرى من أصعب الأسئلة، وفي تصوري يمكن أن يكمن مفتاح هذا السؤال في التطور الرهيب الحادث، خاصة في عصر ما بعد الحداثة. ذلك الوقت الذي كان كفيلًا بما يكفي أن يجعل كل منا يرى نفسه قادرًا على أن يُعبر عن كل ما يدور في خاطره بدون وجه حق في رأيي.

فالكل قادر على صنع الفن، ولكن هذا لا يعني بأي حال أن الكل موهوب. ومن هنا على الموهبة أنا أتحدث، وليس على الاجتهاد أو التطوير أو التعلم الذاتي، فإننا نفتقد كثيرًا الموهبة الخام القادرة على صنع اختلاف في المجتمع. ولكن ما أراه في واقعنا هو أن كل من له علاقة بالفن أو ليس له علاقة به قادر على الدخول في المجال، وأرى أن هذا مرتبط بشكل ما بفكرة الوقت المعاصر، والتي تجعل كثيرًا منا إلهًا لنفسه قادرًا على صنع أصول وقوانين جديدة لأي شيء، مهما كان هذا الشيء له أصل وجذور وقوانين محددة أم لا.

فبأخذنا الفن كمثال، دائمًا ما نجد أنه يحتوي على قوانين وقواعد، وبدونها يصبح كل ما نقوم به مضيعة للوقت لأنك خرجت عن القواعد المعروفة أو أساسيات معينة. وهنا أنا لا أتحدث عن صناعة الأفلام أو جعل أغنية ما تتحول لتراث قومي، ولكن أتحدث عن قواعد عامة تسير عليها كل ألوان الفن. وهذا ما كان سائدًا قديمًا في وقت عبد الحليم حافظ أو تاريخ حمدي أو حتى نجيب محفوظ، فكلها ألوان من الفنون المختلفة التي كان لها منهج خاص ينطلق منه الفنان في إبداعه، وأظن هذا عكس ما يحدث الآن.

فكثيرًا ما أرى وجوهًا جديدة قادرة على الظهور على الساحة الفنية بسبب فقط الاختلاف، بدون جوهر واضح يقدم قيمة لها فائدة للمتلقي. فهذا الإنسان قد وجد نجاحه في انفراده واختلافه عن باقي السرب فقط، ولكن مع الأسف ليس كل اختلاف في الفن يمكن أن يسير أو أن يستمر نجاحه. في هذه الحالة أظن أن السير مع التيار قد يؤدي إلى نجاح ملحوظ، وبارز خصيصًا بأننا في منطقة شرق أوسطية لا يمكنها التكيف مع كل ألوان الفن، خصوصًا الألوان الآتية من ثقافات غربية.

فالتأثير الخاص بهذه الثقافات يزداد شيئًا فشيئًا مع عصر التطور الذي نحيا فيه حاليًا، وبالتحديد تواجد السوشيال ميديا في كل بيت وبين كل الطبقات الخاصة بالمجتمع. وهنا حديثي لا يتوقف فقط عن المجتمع المصري ولكن المجتمع العربي كاملًا، الذي قد صار أغلبه فاقدًا لهويته الأصلية الفريدة من نوعها.

وبالرجوع لسؤالي الذي طرحته آنفًا، فإنه يوجد فرق واختلاف بلا نقاش بين ما مضى وما كنا عليه من وقت الراديو والتلفاز الأبيض والأسود البسيط، إلى وصولنا حاليًا إلى ما نحن عليه من جوال وانفتاح مهول. فذلك الأول كان قادرًا على صنع فن بدون أن يكون عقله مشتتًا بتنوع الخيارات، بل كان ملتزمًا بهويته والتي بالمناسبة كانت قادرة على تمييزه بين باقي أمم الأرض. ولكن هذا الثاني قادر أيضًا على صنع الفن، ولكن عقله صار مشتتًا بكمية مهولة من الخيارات التي أصبح غير قادر على استيعابها، فاصبح فنه مُحدثًا بشكل ما عن ذلك القديم المعهود عليه.

فقد يفتقد الأصالة المعهودة عليها، ولكن لا تزال هويته موجودة فيه. ففي وقتنا الحالي أصبح الإنسان قادرًا على الاختيار بين كثير من الخيارات، فإنني أرى أن دور المتلقي هو الاختيار، ليس فقط ما هو جميل بل ما هو جميل ومناسب مع هويته الأصيلة. فإن ليس كل ما هو موجود مزيف ومقلد، بالعكس لا يزال هناك أعمدة للفن العربي قادرة على عكس مبادئه وهويته. ولكن بسبب كثرة التشتت، المتلقي لا يستطيع العثور على ما هو أصيل في ظل ارتفاع صوت ذلك الموجود المزيف.

فأنا أرى أنه ليس خطأ الفنان صانع أو مبدع هذا الفن، وإنما هو ذنب هذا المتلقي القادر على حرية الاختيار وإنجاح هذا الفنان. فإنه ليس هبوطًا في الذوق العام، وإنما على حد تعبير ابن خلدون: غرق في الترف الذي يُنسي الشعوب مبادئها وشخصيتها الأولى. فيجب علينا العودة ومراجعة المبادئ والقيم قبل تقديم فن أو إطلاق أي لون من ألوان الفن. فكلا من الفنان والمتلقي عليهما دور في إعادة خلق أصيل ولكن بثوب جديد ومطور. فقد يحتاج منا الوعي الكافي بمبادئ قديمة جميلة لكنها مع الأسف اندثرت في ظل التطور الكاسح للحياة ومدى سرعتها. وفي ظني، هذا الوعي قادر على تشكيل الفن الراقي الذي نفخر به. فهذه المبادئ، بعودة إحيائها مرة أخرى، ستُسهل كثيرًا في صنع فن أصيل ولكنه أيضًا معاصر، قادر على التعايش مع لغة العصر الحالي.

#كلية التربية ، جامعة حلوان.

فادي سمير جدلية العلاقة بين الأصالة والمعاصرة فى الفن الجارديان المصرية